شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١١٦
أبي سفيان، فانظر ما أنت صانع! وأعلم أن رواحلي في الدار معدة، والموعد بيني وبينك أن تغفل عنا عيونهم، ثم فارقته فلم ألبث أن أتاني رسول الوليد، فجئته فوجدت الحسين عنده، ووجدت عنده مروان بن الحكم، فنعى إلى معاوية، فاسترجعت فاقبل على، وقال: هلم إلى بيعة يزيد، فقد كتب إلينا يأمرنا أن نأخذها عليك!
فقلت إني قد علمت أن في نفسه على شيئا لتركي بيعته في حياة أبيه، وإن بايعت له على هذه الحال توهم إني مكره على البيعة، فلم يقع منه ذلك بحيث أريد، ولكن أصبح ويجتمع الناس، ويكون ذلك علانية إن شاء الله، فنظر الوليد إلى مروان فقال مروان: هو الذي قلت لك، إن يخرج لم تره. فأحببت أن ألقى بيني وبين مروان شرا نتشاغل به، فقلت له وما أنت وذاك يا بن الزرقاء! فقال لي، وقلت له، حتى تواثبنا، فتناصيت أنا وهو، وقام الوليد فحجز بيننا، فقال مروان: أتحجز بيننا بنفسك، وتدع أن تأمر أعوانك! فقال: قد أرى ما تريد، ولكن لا أتولى ذلك منه والله ابدا، اذهب يا بن الزبير حيث شئت، قال: فأخذت بيد الحسين، وخرجنا من الباب حتى صرنا إلى المسجد، وأنا أقول:
ولا تحسبني يا مسافر شحمة * تعجلها من جانب القدر جائع فلما دخل المسجد افترق هو والحسين، وعمد كل واحد منهما إلى مصلاه يصلى فيه، وجعلت الرسل تختلف إليهما، يسمع وقع أقدامهم في الحصباء حتى هدأ عنهما الحس، ثم انصرفا إلى منازلهما، فأتى ابن الزبير رواحله، فقعد عليها، وخرج من أدبار داره، ووافاه الحسين بن علي، فخرجا جميعا من ليلتهم، وسلكوا طريق الفرع حتى مروا بالجثجاثة وبها جعفر بن الزبير قد ازدرعها، وغمز عليهم بعير من إبلهم فانتهوا إلى جعفر، فلما رآهم قال: مات معاوية؟ فقال عبد الله: نعم، انطلق
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»
الفهرست