شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١١٨
صاعقة يتبعها أخرى، فقتلت من أصحاب الحجاج اثنى عشر رجلا، فأنكر أهل الشام، فقال الحجاج: يا أهل الشام، لا تنكروا هذا، فإني ابن تهامة، هذه صواعق تهامة هذا الفتح قد حضر فأبشروا، فإن القوم يصيبهم مثل ما أصابكم، فصعقت من الغد فأصيب من أصحاب ابن الزبير عدة ما أصاب الحجاج، فقال الحجاج: ألا ترون إنهم يصابون وأنتم على الطاعة، وهم على خلاف الطاعة! فلم تزل الحرب بين ابن الزبير والحجاج حتى تفرق عامة أصحاب ابن الزبير عنه، وخرج عامة أهل مكة إلى الحجاج في الأمان.
قال: وروى إسحاق بن عبيد الله، عن المنذر بن الجهم الأسلمي، قال: رأيت ابن الزبير، وقد خذله من معه خذلانا شديدا، وجعلوا يخرجون إلى الحجاج، خرج إليه منهم نحو عشرة آلاف، وذكر إنه كان ممن فارقه، وخرج إلى الحجاج ابناه: خبيب وحمزة، فأخذا من الحجاج لأنفسهما أمانا.
قال أبو جعفر: فروى محمد بن عمر، عن ابن أبي الزناد، عن مخرمة بن سلمان الوالبي، قال: دخل عبد الله بن الزبير على أمه حين رأى من الناس ما رأى من خذلانه فقال: يا أمه، خذلني الناس حتى ولدى وأهلي، ولم يبق معي إلا اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟
فقالت: أنت يا بنى أعلم بنفسك، إن كنت تعلم إنك على حق وإليه تدعو فامض له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك يتلعب بك غلمان بنى أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك، وإن قلت قد كنت على حق فلما وهن أصحابي وهنت وضعفت، فليس هذا فعل الأحرار ولا أهل
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»
الفهرست