شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١١٣
أحدا أشد جلدا على لحم، ولحما على عظم من ابن الزبير، ولا رأيت أحدا أثبت قائما، ولا أحسن مصليا من ابن الزبير، ولقد رأيت حجرا من المنجنيق جاءه فأصاب شرفة من المسجد، فمرت قذاذة منها بين لحيته (1) وحلقه، فلم يزل من مقامه، ولا عرفنا ذلك في صوته، فقال عمر: لا إله إلا الله، لجاد ما وصفت!
قال الزبير: وسمعت إسماعيل بن يعقوب التيمي يحدث، قال: قال عمر بن عبد العزيز لابن أبي مليكة: صف لنا عبد الله بن الزبير، فإنه ترمرم على أصحابنا فتغشمروا عليه، فقال: عن أي حاليه تسأل؟ أعن دينه، أم عن دنياه؟ فقال: عن كل، قال: والله ما رأيت جلدا قط ركب على لحم ولا لحما على عصب، ولا عصبا على عظم، مثل جلده على لحمه ولا مثل لحمه على عصبه، ولا مثل عصبه على عظمه، ولا رأيت نفسا ركبت بين جنبين، مثل نفس له ركبت بين جنبين ولقد قام يوما إلى الصلاة، فمر به حجر من حجارة المنجنيق، بلبنه مطبوخة من شرفات المسجد، فمرت بين لحييه وصدره، فوالله ما خشع لها بصره، ولا قطع لها قراءته، ولا ركع دون الركوع الذي كان يركع، ولقد كان إذا دخل في الصلاة خرج من كل شئ إليها، ولقد كان يركع في الصلاة فيقع الرخم على ظهره ويسجد فكأنه مطروح.
قال الزبير: وحدث هشام بن عروة، قال: سمعت عمى، يقول: ما أبالي إذا وجدت ثلاثمائة يصبرون صبري، لو أجلب على أهل الأرض.
قال الزبير: وقسم عبد الله بن الزبير ثلث ماله وهو حي، وكان أبوه الزبير قد أوصى أيضا بثلث ماله. قال: وابن الزبير أحد الرهط الخمسة الذين وقع اتفاق أبى موسى الأشعري وعمرو بن العاص على إحضارهم، والاستشارة بهم في يوم التحكيم

(1) في د (لحييه).
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»
الفهرست