شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٢١
في هذه الناحية، ولكأنه أسد في أجمه ما يقدم عليه الرجال، فيعدو في أثر الرجال وهم على الباب حتى يخرجهم، ثم يصيح إلى عبد الله بن صفوان، يا أبا صفوان، ويل أمه فتحا لو كان له رجال! ثم يقول * لو كان قرني واحدا كفيته (1) * فيقول عبد الله بن صفوان: أي والله وألفا.
قال أبو جعفر: فلما كان يوم الثلاثاء، صبيحة سبع عشرة من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وقد أخذ الحجاج على ابن الزبير بالأبواب، بات ابن الزبير تلك الليلة يصلى عامة الليل، ثم احتبى بحمائل سيفه، فأغفى ثم انتبه بالفجر، فقال: أذن يا سعد، فأذن عند المقام، وتوضأ ابن الزبير وركع ركعتي الفجر، ثم تقدم وأقام المؤذن، فصلى ابن الزبير بأصحابه فقرأ (ن والقلم) حرفا حرفا ثم سلم، ثم قام، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اكشفوا وجوهكم حتى أنظر، وعليها المغافر والعمائم، فكشفوا وجوههم، فقال: يا آل الزبير، لو طبتم لي نفسا عن أنفسكم كنا أهل بيت من العرب اصطلمنا، لم تصبنا مذلة، ولم نقر على ضيم، أما بعد يا آل الزبير، فلا يرعكم وقع السيوف، فإني لم أحضر موطنا قط ارتثثت فيه بين القتلى، وما أجد من دواء جراحها أشد مما أجد من ألم وقعها. صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم.
لا أعلم امرأ كسر سيفه واستبقى نفسه. فإن الرجل إذا ذهب سلاحه فهو كالمرأة اعزل. غضوا أبصاركم عن البارقة، وليشغل كل امرئ قرنه، ولا يلهينكم السؤال عنى، ولا تقولن: أين عبد الله بن الزبير؟ ألا من كان سائلا عنى فإني في الرعيل الأول، ثم قال:

(1) من أبيات لدويد بن زيد بن نهد، طبقات الشعراء 27، 28.
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»
الفهرست