شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٢٧
دخل عبد الله بن الزبير على معاوية وعنده عمرو بن العاص: فتكلم عمرو - وأشار إلى ابن الزبير - فقال: هذا والله يا أمير المؤمنين الذي غرته أناتك، وأبطره حلمك، فهو ينزو في نشطته نزو العير في حبالته، كلما قمصته الغلواء والشره سكنت الأنشوطة منه النفرة، وأحربه أن يؤول إلى القلة أو الذلة، فقال ابن الزبير: أما والله يا بن العاص، لولا أن الايمان ألزمنا بالوفاء، والطاعة للخلفاء - فنحن لا نريد بذلك بدلا، ولا عنه حولا - ولكان لنا وله ولك شأن، ولو وكله القضاء إلى رأيك، ومشورة نظرائك لدافعناه بمنكب لا تئوده المزاحمة، ولقاذفناه بحجر لا تنكؤه المراجمة، فقال معاوية: أما والله يا بن الزبير لولا إيثاري الأناة على العجل، والصفح على العقوبة، وإني كما قال الأول:
أجامل أقواما حياء وقد أرى * قلوبهم تغلي على مراضها إذا لقرنتك إلى سارية من سواري الحرم تسكن بها غلواءك، وينقطع عندها طمعك، وتنقص من أملك، ما لعلك قد لويته فشزرته، وفتلته فأبرمته. وأيم الله إنك من ذلك لعلى شرف جرف بعيد الهوة، فكن على نفسك ولها، فما توبق ولا تنفذ غيرها، فشأنك وإياها.
قطع عبد الله بن الزبير في الخطبة ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله جمعا كثيرة، فاستعظم الناس ذلك، فقال: إني لا أرغب عن ذكره، ولكن له أهيل سوء إذا ذكرته أتلعوا أعناقهم، فأنا أحب أن أكبتهم.
لما كاشف عبد الله بن الزبير بني هاشم وأظهر بغضهم وعابهم، وهم بما هم به في
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست