شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٢ - الصفحة ٢٠٧
والحكم معا لان هذا الموضع أكثر اشتباها من حديث رجم الحامل فغلب على ظن أمير المؤمنين أنه لو اقتصر على قوله: إنها مجنونة لم يكن ذلك دافعا لرجمها فأكده برواية الحديث واعتذار قاضى القضاة بالغم جيد وقول المرتضى أي غم كان يلحقه إذا فعل ما له أن يفعله! ليس بإنصاف ولا مثل هذا يقال فيه إنه فعل ما له أن يفعله ولا يقال في العرف لمن قتل إنسانا خطأ إنه فعل ما له أن يفعله والمرجوم في الزنا إذا ظهر للامام بعد قتله براءة ساحته قد يغتم بقتله غما كثيرا بالطبع البشرى ويتألم وإن لم يكن آثما وليس من توابع الاثم ولوازمه.
وقول المرتضى لم يجب أن يندم على ما فعله كلام خارج عما هو بصدده لأنه لم يجر ذكر للندم وإنما الكلام في الغم ولا يلزم أن يكون كل مغتم نادما.
وأما اعتراضه على قاضى القضاة في قوله لا يمتنع في الشرع أن ترجم المجنونة فلما اشتبه على عمر الامر سأل غيره عنه بقوله (أن أردت الحد الحقيقي فمعلوم وإن أردت ما هو جنس الحد فمسلم) فليس بجيد لان هذا إنما يكون طعنا على عمر بتقدير ثلاثة أمور: أحدها أن يكون النبي صلى الله عليه وآله قد قال: (أقيموا الحد على الزاني) بهذا اللفظ أعني أن يكون في لفظ النص ذكر الحد وثانيها أن يكون الحد في اللغة العربية أو في عرف الشرع الذي يتفاهمه الصحابة هو العقوبة المخصوصة التي يقارنها الاستخفاف والإهانة وثالثها ألا يصح إهانة المجنون والاستخفاف به وأن يعلم عمر ذلك فإذا اجتمعت هذه الأمور الثلاثة ثم أمر عمر بأن يقام الحد على المجنونة فقد توجه الطعن ومعلوم أنه لم تجتمع هذه الأمور الثلاثة فإنه ليس في القرآن ولا في السنة ذكر الحد بهذا اللفظ ولا الحد في اللغة العربية هو العقوبة التي يقارنها الاستخفاف والإهانة ولا عرف الشرع ومواضعة الصحابة يشتمل على ذلك وإنما هذا شئ استنبطه المتكلمون المتأخرون بأذهانهم وأفكارهم ثم بتقدير تسليم هذين المقامين لم قال: إن المجنون
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 223 - من كلام له عليه السلام في شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه 3
2 نكت من كلام عمر وسيرته وأخلاقه 6
3 خطب عمر الطوال 108
4 عود إلى ذكر سيرته وأخباره 112
5 نبذ من كلام عمر 116
6 أخبار عمر مع عمرو بن معد يكرب 118
7 فصل فيما نقل عن عمر من الكلمات الغريبة 120
8 ذكر الأحاديث الواردة في فضل عمر 177
9 ذكر ما ورد من الخبر عن إسلام عمر 182
10 تاريخ موت والأخبار الواردة بذلك 184
11 فصل في ذكر ما طعن به على عمر والجواب عنه 195
12 الطعن الأول: ما ذكروا عنه من قوله عندما علم بموت الرسول عليه السلام، والجواب عن ذلك 195
13 الطعن الثاني: ما ذكروا من أنه أمر برجم حامل حتى نبهه معاذ، والجواب عن ذلك 202
14 الطعن الثالث: ما ذكروا من خبر المجنونة التي أمر برجمها، والجواب عن ذلك 205
15 الطعن الرابع. ما ذكروه من أنه منع من المغالاة في صدقات النساء، والجواب عن ذلك 208
16 الطعن الخامس: ما ذكروه أنه كان يعطى من بيت المال مالا يجوز، والجواب عن ذلك 210
17 الطعن السادس: ما ذكروه أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة، والجواب عن ذلك 227
18 الطعن السابع: ما ذكروه أنه كان يتلون في الأحكام، والجواب عن ذلك 246
19 الطعن الثامن: ما ذكروه من قوله في المتعة، والجواب عن ذلك 251
20 الطعن التاسع: ما روى عنه في قصة الشورى، وكونه خرج بها عن الاختيار والنص جميعا، والجواب عن ذلك 256
21 الطعن العاشر: ما ذكروه من قولهم: إنه أبدع في الدين مالا يجوز، والجواب عن ذلك 281