غيبة العبد عن نفسه لاستيلاء ذكر الحق عليه فلا يشهد غير الله ولا يرجع الا إليه وكما أن العاقل يرجع إلى قلبه وتفكره وتذكره فيما يسنح له من أمر أو يستقبله من حال فالعارف رجوعه إلى ربه لا إلى قلبه وكيف يدخل المعنى قلب من لا قلب له.
وسئل أبو يزيد البسطامي عن العرفان فقال ﴿إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة﴾ (1) وهذا معنى ما أشار إليه أبو حفص الحداد.
وقال أبو يزيد أيضا للخلق أحوال ولا حال للعارف لأنه محيت رسومه وفنى هو وصارت هويته هويه غيره وغيبت آثاره في آثار غيره.
قلت وهذا هو القول بالاتحاد الذي يبحث فيه أهل النظر.
وقال الواسطي لا تصح المعرفة وفى العبد استغناء بالله أو افتقار إليه وفسر بعضهم هذا الكلام فقال إن الافتقار والاستغناء من أمارات صحو العبد وبقاء رسومه على ما كانت عليه والعارف لا يصح ذلك عليه لأنه لاستهلاكه في وجوده أو لاستغراقه في شهوده إن لم يبلغ درجة الاستهلاك في الوجود مختطف عن إحساسه بالغنى والفقر وغيرهما من الصفات ولهذا قال الواسطي من عرف الله انقطع وخرس وانقمع قال صلى الله عليه وآله (لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك).
وقال الحسين بن منصور الحلاج علامة العارف أن يكون فارغا من الدنيا والآخرة.
وقال سهل بن عبد الله التستري غاية العرفان شيئان الدهش والحيرة.
وقال ذو النون أعرف الناس بالله أشدهم تحيرا فيه.
وقيل لأبي يزيد بماذا وصلت إلى المعرفة قال ببدن عار وبطن جائع.