ليس قوله (تكركره الرياح) منافيا للنظر الحكمي أيضا لان كرة الهواء محيطة بكرة وقد تعصف الرياح في كرة الهواء للأسباب المذكورة في موضعها من هذا العلم فيتموج كثير من الكرة المائية لعصف الرياح.
وليس قوله عليه السلام: (تمخضه الغمام الذوارف) صريحا في أن السحب تنزل في البحر فتغترف منه كما قد يعتقد في المشهور العامي نحو قول الشاعر كالبحر تمطره السحاب وما لها * فضل عليه لأنها من مائه.
بل يجوز أن تكون الغمام الذراف تمخضه وتحركه بما ترسل عليه من الأمطار السائلة منها فقد ثبت أن كلام أمير المؤمنين عليه السلام إن شئت فسرته بما يقوله أهل الظاهر وإن شئت فسرته بما يعتقده الحكماء.
فان قلت فكيف قال الله تعالى (أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) وهل كان الذين كفروا رائين لذلك حتى يقول لهم (أولم ير الذين كفروا).
قلت هذا في قوله (اعلموا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) كما يقول الانسان لصاحبه ألم تعلم أن الأمير صرف حاجبه الليلة عن بابه أي اعلم ذلك إن كنت غير عالم والرؤية هنا بمعنى العلم.
واعلم أنه قد ذهب قوم من قدماء الحكماء - ويقال انه مذهب سقراط - إلى تفسير القيامة وجهنم بما يبتنى على وضع الأرض على الماء فقالوا الأرض موضوعة على الماء والماء على الهواء والهواء على النار والنار في حشو الإفك ولما كان العنصران الخفيفان - وهما الهواء والنار - يقتضيان صعود ما يحيطان به العنصران الثقيلان اللذان في وسطهما وهما