كثير من الحكماء الذين قالوا بحدوث السماء منهم ثاليس الملطي قالوا أصل الأجسام الماء وخلقت الأرض من زبدة والسماء من بخاره وقد جاء القرآن العزيز بنحو هذا قال سبحانه ﴿الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء﴾ (1).
قال شيخنا أبو علي وأبو القاسم رحمهما الله في تفسيريهما هذه الآية داله على أن الماء والعرش كانا قبل خلق السماوات والأرض قالا وكان الماء على الهواء قالا وهذا يدل أيضا على أن الملائكة كانوا موجودين قبل خلق السماوات والأرض لان الحكيم سبحانه لا يجوز أن يقدم خلق الجماد على خلق المكلفين لأنه يكون عبثا.
وقال علي بن عيسى الرماني من مشايخنا انه غير ممتنع أن يخلق الجماد قبل الحيوان إذا علم أن في اخبار المكلفين بذلك لطفا لهم ولا يصح أن يخبرهم الا وهو صادق فيما أخبر به وإنما يكون صادقا إذا كان المخبر خبره على ما أخبر عنه وفى ذلك حسن تقديم خلق الجماد على خلق الحيوان وكلام أمير المؤمنين عليه السلام انه كان يذهب إلى أن الأرض موضوعه على ماء البحر وأن البحر حامل لها بقدرة الله تعالى وهو معنى قوله (يحملها الأخضر المثعنجر والقمقام المسخر) وأن البحر الحامل لها قد كان جاريا فوقف تحتها وانه تعالى خلق الجبال في الأرض فجعل أصولها راسخة في ماء البحر الحامل للأرض وأعاليها شامخة في الهواء وانه سبحانه جعل هذه الجبال عمادا للأرض وأوتادا تمنعها من الحركة والاضطراب ولولاها لماجت واضطربت وأن هذا البحر الحامل للأرض تصعد فيه الرياح الشديدة فتحركه حركة عنيفة وتموج السحب التي تغترف الماء منه لتمطر الأرض به وهذا كله مطابق لما في الكتاب العزيز والسنة النبوية والنظر الحكمي الا ترى إلى قوله تعالى (أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض