والركون إلى اتباع الشهوة والإخلاد إلى ما دعت إليه المنية والمريد هو المنسلخ عن هذه الجملة.
وقال بعضهم الإرادة نهوض القلب في طلب الرب ولهذا قيل إنها لوعة تهون كل روعة.
وقال أبو علي الدقاق الإرادة لوعة في الفؤاد ولذعة في القلب وغرام في الضمير وانزعاج في الباطن ونيران تأجج في القلوب.
وقال ممشاذ الدينوري مذ علمت أن أحوال الفقراء جد كلها لم أمازح فقيرا وذلك أن فقيرا قدم على فقال أيها الشيخ أريد أن تتخذ لي عصيدة فجرى على لساني (إرادة وعصيدة) فتأخر الفقير ولم اشعر فأمرت باتخاذ عصيدة وطلبته فلم أجده فتعرفت خبره فقيل إنه انصرف من فوره وهو يقول (إرادة وعصيدة إرادة وعصيدة) وهام على وجهه حتى خرج إلى البادية وهو يكرر هذه الكلمة فما زال يقول ويرددها حتى مات.
وحكى بعضهم قال كنت بالبادية وحدي فضاق صدري فصحت يا انس كلموني يا جن كلموني فهتف هاتف أي شئ ناديت فقلت الله فقال الهاتف كذبت لو أردته لما ناديت الانس ولا الجن.
فالمريد هو الذي لا يشغله عن الله شئ ولا يفتر آناء الليل وأطراف النهار فهو في الظاهر بنعت المجاهدات وفي الباطن بوصف المكابدات فارق الفراش ولازم الانكماش وتحمل المصاعب وركب المتاعب وعالج الأخلاق ومارس المشاق وعانق الأهوال وفارق الاشكال فهو كما قيل ثم قطعت الليل في مهمة * لا أسدا أخشى ولا ذيبا