ولازم طريق الحق وأحسن بينه وبين الله تعالى بمراعاة القلب وحفظ مع الله سبحانه الأنفاس راقبه تعالى في عموم أحواله فيعلم انه تعالى رقيب عليه يعلم أحواله ويرى أفعاله ويسمع أقواله ومن تغافل عن هذه الجملة فهو بمعزل عن بداية الوصلة فكيف عن حقائق القربة.
ويحكى أن ملكا كان يتحظى جارية له وكان لوزيره ميل باطن إليها فكان يسعى في مصالحها ويرجح جانبها على جانب غيرها من حظايا الملك ونسائه فاتفق أن عرض عليها الملك حجرين من الياقوت الأحمر أحدهما أنفس من الاخر بمحضر من وزيره فتحيرت أيهما تأخذ فأومأ الوزير بعينه إلى الحجر الأنفس وحانت من الملك التفاته فشاهد عين الوزير وهي مائلة إلى ذلك الجانب فبقي الوزير بعدها أربعين سنة لا يراه الملك قط الا كاسرا عينه نحو الجانب الذي كان طرفه مائلا إليه ذلك اليوم أي كان (1) ذلك خلقه وهذا عزم قوى في المراقبة ومثله فليكن حال من يريد الوصول.
ويحكى أيضا أن أميرا كان له غلام يقبل عليه أكثر من إقباله على غيره من مماليكه ولم يكن أكثرهم قيمة ولا أحسنهم صورة فقيل له في ذلك فأحب أن يبين لهم فضل الغلام في الخدمة على غيره فكان يوما راكبا ومعه حشمه وبالبعد منهم جبل عليه ثلج فنظر الأمير إلى الثلج وأطرق فركض الغلام فرسه ولم يعلم الغلمان لما ذا ركض فلم يلبث الا قليلا حتى جاء ومعه شئ من الثلج فقال الأمير ما ادراك انى أردت الثلج فقال إنك نظرت إليه ونظر السلطان إلى شئ لا يكون الا عن قصد فقال الأمير لغلمانه إنما اختصه بإكرامي واقبالي لان لكل واحد منكم شغلا وشغله مراعاة لحظاتي ومراقبة أحوالي.