لان الرواحل إذا ضربت بطونها لتساق كان أوحى لها، ومراده أنهم كانوا فرسانا وركبانا.
قوله: (حتى أنزلت بساحته عداوتها)، أي حربها، فعبر عنها بالعداوة، لان العداوة سبب الحرب، فعبر بالسبب عن المسبب، كما قالوا: ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناك، يعنون الماء، لما كان اعتقادهم أن السماء سبب الماء.
وأسحق المزار، أبعده، مكان سحيق، أي بعيد، والسحق بضم السين: البعد، يقال:
(سحقا له)، ويجوز ضم الحاء، كما قالوا: عسر وعسر، وسحق الشئ، بالضم، أي بعد، وأسحقه الله أبعده، والمزار: المكان الذي يزار منه، أو المكان الذي يزار فيه، والمراد هاهنا هو الأول، ومن قرأ كتب السيرة علم ما لاقى رسول الله صلى الله عليه وآله في ذات الله سبحانه من المشقة، واستهزاء قريش به في أول الدعوة، ورميهم إياه بالحجارة، حتى أدموا عقبيه، وصياح الصبيان به، وفرث الكرش على رأسه، وفتل الثوب في عنقه وحصره وحصر أهله في شعب بني هاشم سنين عدة، محرمة معاملتهم ومبايعتهم ومناكحتهم وكلامهم، حتى كادوا يموتون جوعا، لولا أن بعض من كان يحنوا عليهم لرحم أو لسبب غيره، فهو يسرق الشئ القليل من الدقيق أو التمر فيلقيه إليهم ليلا، ثم ضربهم أصحابه وتعذيبهم بالجوع والوثاق في الشمس، وطردهم إياهم عن شعاب مكة، حتى خرج من خرج منهم إلى الحبشة، وخرج عليه السلام مستجيرا منهم تارة بثقيف، وتارة ببني عامر، وتارة بربيعة الفرس، وبغيرهم. ثم أجمعوا على قتله والفتك به ليلا، حتى هرب منهم لائذا بالأوس والخزرج، تاركا أهله وأولاده، وما حوته يده، ناجيا بحشاشة نفسه، حتى وصل إلى المدينة، فناصبوه الحرب ورموه بالمناسر (1) والكتائب، وضربوا إليه آباط الإبل،