عقولهم، فإذا تركوه ساغ له في الحكمة تعذيبهم وعقوبتهم، فكأنه قد أبان لهم عذره أن لو قالوا: لم تعاقبنا؟.
ومحابه من الأعمال، هي الطاعات التي يحبها، وحبه لها إرادة وقوعها من المكلفين.
ومكارهه من الأعمال: القبائح التي يكرهها منهم، وهذا الكلام حجة لأصحابنا على المجبرة. والخبر الذي رواه عليه السلام مروي في كتب المحدثين، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حجبت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)، ومن المحدثين من يرويه: (حفت) فيهما، وليس منهم من يرويه: (حجبت) في النار، وذلك لان لفظ (الحجاب) إنما يستعمل فيما يرام دخوله وولوجه لمكان النفع فيه، ويقال: حجب زيد مأدبة الأمير، ولا يقال: حجب زيد عن الحبس.
ثم ذكر عليه السلام أنه لا طاعة إلا في أمر تكرهه النفس، ولا معصية إلا بمواقعة أمر تحبه النفس، وهذا حق، لان الانسان ما لم يكن متردد الدواعي لا يصح التكليف، وإنما تتردد الدواعي إذا أمر بما فيه مشقة، أو نهى عما فيه لذة ومنفعة.
فإن قلت: أليس قد أمر الانسان بالنكاح. وهو لذة؟ قلت: ما فيه من ضرر الانفاق ومعالجة أخلاق النساء يربى على اللذة الحاصلة فيه (1) مرارا.
ثم قال عليه السلام: (رحم الله امرأ نزع عن شهوته) أي أقلع.
وقمع هوى نفسه، أي قهره.
ثم قال: فإن هذه النفس أبعد شئ منزعا، أي مذهبا، قال أبو ذؤيب:
والنفس راغبة إذا رغبتها * وإذا ترد إلى قليل تقنع (2).