مسألتهم عن خفايا الأعمال، وخبايا الافعال، وجعلهم فريقين: أنعم على هؤلاء وانتقم من هؤلاء. فأما أهل الطاعة فأثابهم بجواره، وخلدهم في داره، حيث لا يظعن النزال، ولا تتغير بهم الحال، ولا تنوبهم الأفزاع، ولا تنالهم الأسقام، ولا تعرض لهم الاخطار، ولا تشخصهم الاسفار. وأما أهل المعصية، فأنزلهم شر دار، وغل الأيدي إلى الأعناق، وقرن النواصي بالاقدام، وألبسهم سرابيل القطران، ومقطعات النيران، في عذاب قد اشتد حره، وباب قد أطبق على أهله، في نار لها كلب ولجب، ولهب ساطع، وقصيف هائل، لا يظعن مقيمها، ولا يفادى أسيرها، ولا تفصم كبولها، لا مدة للدار فتفنى، ولا أجل للقوم فيقضى.
* * * الشرح:
هذا موضع المثل: " في كل شجرة نار، واستمجد المرخ والعفار "، الخطب الوعظية الحسان كثيرة، ولكن هذا حديث يأكل الأحاديث:
محاسن أصناف المغنين جمة * وما قصبات السبق إلا لمعبد.
من أراد أن يتعلم الفصاحة والبلاغة، ويعرف فضل الكلام بعضه على بعض، فليتأمل هذه الخطبة، فإن نسبتها إلى كل فصيح من الكلام - عدا كلام الله ورسوله - نسبة الكواكب المنيرة الفلكية إلى الحجارة المظلمة الأرضية، ثم لينظر الناظر إلى ما عليها من البهاء، والجلالة والرواء، والديباجة، وما تحدثه من الروعة والرهبة، والمخافة والخشية، حتى لو تليت على زنديق ملحد مصمم على اعتقاد نفى البعث والنشور لهدت قواه، وأرعبت قلبه، وأضعفت على نفسه، وزلزلت، اعتقاده، فجزى الله قائلها عن الاسلام أفضل