* فلم يستجبه عند ذاك مجيب (1) * وقالوا: استغفرت الله الذنوب، أي من الذنوب، وقال الشاعر:
أستغفر الله ذنبا لست محصيه * رب العباد إليه الوجه والعمل قوله عليه السلام: " ولا يرد أمرك من سخط قضاءك، ولا يستغنى عنك من تولى عن أمرك "، تحته سر عظيم، وهو قول أصحابنا في جواب قول المجبرة: " لو وقع منا ما لا يريده لاقتضى ذلك نقصه ": إنه لا نقص في ذلك، لأنه لا يريد الطاعات منا إرادة قهر وإلجاء، ولو أرادها إرادة قهر لوقعت وغلبت إرادته إرادتنا، ولكنه تعالى أراد منا أن نفعل نحن الطاعة واختيارا، فلا يدل عدم وقوعها منا على نقصه وضعفه، كما لا يدل بالاتفاق بيننا وبينكم عدم وقوع ما أمر به على ضعفه ونقصه.
ثم قال عليه السلام: " كل سر عندك علانية "، أي لا يختلف الحال عليه في الإحاطة بالجهر والسر، لأنه عالم لذاته، ونسبة ذاته إلى كل الأمور واحدة.
ثم قال: " أنت الأبد فلا أمد لك "، هذا كلام علوي شريف، لا يفهمه إلا الراسخون في العلم، وفيه سمة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا الدهر، فإن الدهر هو الله "، وفي مناجاة الحكماء لمحة منه أيضا، وهو قولهم: " أنت الأزل السرمد، وأنت الأبد الذي لا ينفد "، بل قولهم: " أنت الأبد الذي لا ينفد "، هو قوله: أنت الأبد فلا أمد لك "، بعينه، ونحن نشرحه هاهنا على موضوع هذا الكتاب، فإنه كتاب أدب لا كتاب نظر، فنقول: إن له في العربية محملين: أحدهما أن المراد به: أنت ذو الأبد، كما قالوا: رجل خال، أي ذو خال، والخال الخيلاء، ورجل داء، أي به داء ورجل