والرابعة أنهم لا يتشعبهم المنية، ولا ريب أن من لا تتطرق إليه الأسقام والأمراض ولا يموت، أشرف ممن هو في كل ساعة ولحظة بعرض سقام، وبصدد موت وحمام.
* * * واعلم أن مسأله تفضيل الملائكة على الأنبياء لها صورتان: إحداهما أن " أفضل " بمعنى كونهم أكثر ثوابا، والأخرى كونهم أفضل بمعنى أشرف، كما تقول: إن الفلك أفضل من الأرض، أي أن الجوهر الذي منه جسمية الفلك أشرف من الجوهر الذي منه جسمية الأرض.
وهذه المزايا الأربع، دالة على تفضيل الملائكة بهذا الاعتبار الثاني.
قوله عليه السلام: " يتشعبهم ريب المنون "، أي يتقسمهم، والشعب: التفريق، ومنه قيل للمنية: شعوب، لأنها تفرق الجماعات، وريب المنون: حوادث الدهر، وأصل الريب ما راب الانسان، أي جاءه بما يكره، والمنون الدهر نفسه، والمنون أيضا المنية، لأنها تمن المدة أي تقطعها، والمن: القطع، ومنه قوله تعالى: " لهم أجر غير ممنون " (1).
وقال لبيد:
* غبس كواسب لا يمن طعامها (2) * ثم ذكر أنهم كثرة عبادتهم وإخلاصهم لو عاينوا كنه ما خفى عليهم من الباري تعالى لحقروا أعمالهم. وزروا على أنفسهم، أي عابوها: تقول زريت على فلان، أي عبته، وأزريت بفلان أي قصرت به.