أبينها وأظهرها أنه تعالى ذكر في سورة الأعراف الأمم الخالية، والأنبياء الماضين من لدن آدم عليه الصلاة والسلام، إلى أن انتهى إلى قصة موسى، فقال في آخرها بعد أن شرحها وأوضحها: ﴿واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.
واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون﴾ (1).
وهذا من التخلصات اللطيفة المستحسنة.
[فصل في الاستطراد وإيراد شواهد للشعراء فيه] واعلم أن من أنواع علم البيان نوعا يسمى الاستطراد، وقد يسمى الالتفات وهو من جنس التخلص وشبيه به، إلا أن الاستطراد هو أن تخرج بعد أن تمهد ما تريد أن تمهده إلى الامر الذي تروم ذكره فتذكره، وكأنك غير قاصد لذكره بالذات، بل قد حصل ووقع ذكره بالعرض عن غير قصد، ثم تدعه وتتركه، وتعود إلى الامر الذي كنت في تمهيده، كالمقبل عليه، وكالملغى عما استطردت بذكره، فمن ذلك قول البحتري وهو يصف فرسا: