[فصل في الكلام على الالتفات] واعلم أن باب الانتقال من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة باب كبير من أبواب علم البيان، وأكثر ما يقع ذلك إذا اشتدت عناية المتكلم بذلك المعنى المنتقل إليه، كقوله سبحانه: (الحمد لله رب. العالمين الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين) فأخبر عن غائب، ثم انتقل إلى خطاب الحاضر فقال: (إياك نعبد وإياك نستعين)، قالوا: لان منزلة الحمد دون منزلة العبادة، فإنك تحمد نظيرك ولا تعبده، فجعل الحمد للغائب وجعل العبادة لحاضر يخاطب بالكاف، لان كاف الخطاب أشد تصريحا به سبحانه من الاخبار بلفظ الغيبة. قالوا: ولما انتهى إلى آخر السورة، قال: (صراط الذين أنعمت عليهم) فأسند النعمة إلى مخاطب حاضر. وقال في الغضب: (غير المغضوب عليهم)، فأسنده إلى فاعل غير مسمى ولا معين، وهو أحسن من أن يكون قال: " لم تغضب عليهم، وفي " النعمة " الذين أنعم عليهم ".
ومن هذا الباب قوله تعالى: (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا) فأخبر ب " قالوا " عن غائبين، ثم قال: ﴿لقد جئتم شيئا إدا﴾ (1) فأتى بلفظ الخطاب استعظاما للامر كالمنكر على قوم حاضرين عنده.
ومن الانتقال عن الخطاب إلى الغيبة قوله تعالى: (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف...) (2) الآية.
* * *