الشر، وبهما يقع الطمع والاقدام على المعاصي. وأيضا فإن منهم من يشاهد الجنة والنار عيانا، فيكون أخوف لأنه ليس الخبر كالعيان.
قوله: " وأقربهم منك " لا يريد القرب المكاني لأنه تعالى منزه عن المكان والجهة، بل المراد كثرة الثواب وزيادة التعظيم والتبجيل، وهذا يدل على صحة مذهب أصحابنا في أن الملائكة أفضل من الأنبياء.
ثم نبه على مزية لهم تقتضي أفضلية جنسهم على جنس البشر، بمعنى الأشرفية، لا بمعنى زيادة الثواب وهو قوله " لم يسكنوا الأصلاب ولم يضمنوا الأرحام، ولم يخلقوا من ماء مهين، ولم يتشعبهم ريب المنون "، وهذه خصائص أربع:
فالأولى أنهم لم يسكنوا الأصلاب، والبشر سكنوا الأصلاب، ولا شبهة أن ما ارتفع عن مخالطة الصورة اللحمية والدموية أشرف مما خالطها ومازجها.
والثانية أنهم لم يضمنوا الأرحام، ولا شبهة أن من لم يخرج من ذلك الموضع المستقذر أشرف ممن خرج منه، وكان أحمد بن سهل بن هاشم بن الوليد بن كامكاو بن يزد جرد ابن شهريار، يفخر على أبناء الملوك بأنه لم يخرج من بضع امرأة، لان أمه ماتت وهي حامل به، فشق بطنها عنه وأخرج، قال أبو الريحان البيروني في كتاب " الآثار الباقية عن القرون الخالية " عن هذا الرجل: إنه كان يتيه على الناس، وإذا شتم أحدا، قال: ابن البضع، قال أبو الريحان: وأول من اتفق له ذلك الملك المعروف بأغسطس ملك الروم، وهو أول من سمى فيهم قيصر، لان تفسير " قيصر " بلغتهم، شق عنه، وأيامه تاريخ، كما أن أيام الإسكندر تاريخ لعظمه وجلالته عندهم.
والثالثة أنهم لم يخلقوا من ماء مهين، وقد نص القرآن العزيز على أنه مهين، وكفى ذلك في تحقيره وضعته، فهم لا محالة أشرف ممن خلق منه، لا سيما وقد ذهب كثير من العلماء إلى نجاسته.