وفائدة ذلك أنه صرف الكلام من خطاب الحاضرين إلى إخبار قوم آخرين بحالهم، كأنه يعدد على أولئك ذنوبهم ويشرح لهؤلاء بغيهم وعنادهم الحق، ويقبح عندهم ما فعلوه، ويقول: ألا تعجبون من حالهم كيف دعونا، فلما رحمناهم، واستجبنا دعاءهم، عادوا إلى بغيهم! وهذه الفائدة لو كانت الآية كلها على صيغة خطاب الحاضر مفقودة.
* * * قال عليه السلام: " ما رأتك العيون فتخبر عنك "، كما يخبر الانسان عما شاهده، بل أنت أزلي قديم موجود قبل الواصفين لك.
فإن قلت: فأي منافاة بين هذين الامرين، أليس من الممكن أن يكون سبحانه قبل الواصفين له، ومع ذلك يدرك بالابصار إذا خلق خلقه، ثم يصفونه رأى عين!
قلت: بل هاهنا منافاة ظاهرة، وذلك لأنه إذا كان قديما لم يكن جسما ولا عرضا، وما ليس بجسم ولا عرض تستحيل رؤيته، فيستحيل أن يخبر عنه على سبيل المشاهدة.
ثم ذكر عليه السلام أنه لم يخلق الخلق لاستيحاشه وتفرده، ولا استعملهم بالعبادة لنفعه، وقد تقدم شرح هذا.
ثم قال: لا تطلب أحدا فيسبقك، أي يفوتك، ولا يفلتك من أخذته.
فإن قلت: أي فائدة في قوله: " ولا يفلتك من أخذته "، لأن عدم الإفلات هو الاخذ، فكأنه قال: لا يفلتك من لم يفلتك!
قلت: المراد أن من أخذت لا يستطيع أن يفلت، كما يستطيع المأخوذون مع ملوك الدنيا أن يفلتوا بحيلة من الحيل.
فإن قلت: أفلت فعل لازم، فما باله عداه؟
قلت: تقدير الكلام: " لا يفلت منك " فحذف حرف الجر، كما قالوا: " استجبتك " أي استجبت لك، قال: