فإن قلت: ما هذا الكنه الذي خفى عن الملائكة، حتى قال: " لو عاينوه لحقروا عبادتهم، ولعلموا أنهم قد قصروا فيها "؟
قلت: إن علوم الملائكة بالباري تعالى نظرية كعلوم البشر، والعلوم النظرية دون العلوم الضرورية في الجلاء والوضوح، فأمير المؤمنين عليه السلام يقول: لو كانت علومهم بك وبصفاتك الاثباتية والسلبية والإضافية ضرورية، عوض علومهم هذه المتحققة الآن، التي هي نظرية، ولا نكشف لهم ما ليس الآن على حد ذلك الكشف والوضوح. ولا شبهة أن العبادة والخدمة على قدر المعرفة بالمعبود، فكلما كان العابد به أعرف، كانت عبادته له أعظم، ولا شبهة أن العظيم عند الأعظم حقير.
فإن قلت: فما معنى قوله: " واستجماع أهوائهم فيك "، وهل للملائكة هوى؟
وهل تستعمل الأهواء إلا في الباطل؟
قلت: الهوى: الحب وميل النفس، وقد يكون في باطل وحق، وإنما يحمل على أحدهما بالقرينة، والأهواء تستعمل فيهما، ومعنى استجماع أهوائهم فيه أن دواعيهم إلى طاعته وخدمته لا تنازعها الصوارف، وكانت مجتمعة مائلة إلى شق واحد.
فإن قلت: الباء في قوله: " بحسن بلائك " بماذا تتعلق؟
قلت: الباء هاهنا للتعليل بمعنى اللام، كقوله تعالى: ﴿ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم﴾ (1)، أي لأنهم، فتكون متعلقة بما في " سبحانك " من معنى الفعل، أي أسبحك لحسن بلائك. ويجوز أن تتعلق بمعبود، أي يعبد لذلك.
ثم قال: " خلقت دارا " يعنى الجنة. والمأدبة والمأدبة، بفتح الدال وضمها: الطعام الذي يدعى الانسان إليه، أدب زيد القوم، يأدبهم بالكسر، أي دعاهم إلى طعامه، والآدب:
" الداعي إلى طعامه، قال طرفة: