أسلم أكثر الناس بمجرد سماع كلامه ورؤيته ومشاهدة روائه ومنظره، وما ذاقوه من حلاوة لفظه وسرى كلامه في آذانهم، وملك قلوبهم وعقولهم، حتى بذلوا المهج في نصرته، وهذا من أعظم معجزاته عليه السلام، وهو القبول الذي منحه الله تعالى، والطاعة التي جعلها في قلوب الناس له، وذلك على الحقيقة سر النبوة، الذي تفرد به صلوات الله عليه، فكيف يروم أمير المؤمنين من الناس أن يكونوا معه كما كان آباؤهم وإخوانهم مع النبي صلى الله عليه وآله، مع اختلاف حال الرئيسين وتساوى الأثرين كما يعتبر في تحققه تساوى حال المحلين، يعتبر في حقيقته أيضا تساوى حال العلتين.
ثم نعود إلى التفسير، قال: (ولقد نزلت بكم البلية)، أي المحنة العظيمة، يعنى فتنة معاوية وبنى أمية.
وقال: (جائلا خطامها)، لان الناقة إذا اضطرب زمامها استصعبت على راكبها، ويسمى الزمام خطاما لكونه في مقدم الانف، والخطم من كل دابة: مقدم أنفها وفمها (١)، وإنما جعلها رخوا بطانها، لتكون أصعب على راكبها، لأنه إذا استرخى البطان كان الراكب في معرض السقوط عنها، وبطان القتب هو الحزام الذي يجعل تحت بطن البعير.
ثم نهاهم عن الاغترار بالدنيا ومتاعها، وقال: إنها ظل ممدود إلى أجل معدود، وإنما جعلها كالظل لأنه ساكن في رأى العين وهو متحرك في الحقيقة، لا يزال يتقلص، كما قال تعالى: ﴿ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا﴾ (2) وهو أشبه شئ بأحوال الدنيا.
وقال بعض الحكماء: أهل الدنيا كركب سير بهم وهم نيام.