فإن قلت: فهل هذا الكلام منه أم قاله مرفوعا؟ قلت: بل ذكره مرفوعا، ألا تراه قال: (خذوها عن خاتم النبيين)! ثم نعود إلى التفسير فنقول: إنه لما قال لهم ذلك علم أنه قال قولا عجيبا، وذكر أمرا غريبا، وعلم أنهم ينكرون ذلك ويعجبون منه، فقال لهم: فلا تقولوا ما لا تعرفون، أي لا تكذبوا أخباري، ولا تكذبوا أخبار رسول الله لكم بهذا فتقولون ما لا تعلمون صحته، ثم قال: فإن أكثر الحق في الأمور العجيبة التي تنكرونها كإحياء الموتى في القيامة، وكالصراط والميزان والنار والجنة وسائر أحوال الآخرة، هذا إن كان خاطب من لا يعتقد الاسلام، فإن كان الخطاب لمن يعتقد الاسلام، فإنه يعنى بذلك أن أكثرهم كانوا مرجئة ومشبهة ومجبرة، ومن يعتقد أفضلية غيره عليه، ومن يعتقد أنه شرك في دم عثمان، ومن يعتقد أن معاوية صاحب حجة في حربه أو شبهة، يمكن أن يتعلق بها متعلق، ومن يعتقد أنه أخطأ في التحكيم، إلى غير ذلك من ضروب الخطأ التي كان أكثرهم عليها.
ثم قال: (واعذروا من لا حجة لكم عليه وهو أنا)، يقول: قد عدلت فيكم، وأحسنت السيرة وأقمتكم على المحجة البيضاء، حتى لم يبق لأحد منكم حجة يحتج بها على، ثم شرح ذلك، فقال: (عملت فيكم بالثقل الأكبر) يعنى الكتاب و (خلفت فيكم الأصغر) يعنى ولديه، لأنهما بقية الثقل الأصغر، فجاز أن يطلق عليهما بعد ذهاب من ذهب منه أنهما الثقل الأصغر، وإنما سمى النبي صلى الله عليه وآله الكتاب، والعترة الثقلين، لان الثقل في اللغة متاع المسافر وحشمه، فكأنه صلى الله عليه وآله لما شارف الانتقال إلى جوار ربه تعالى، جعل نفسه كالمسافر الذي ينتقل من منزل إلى منزل، وجعل الكتاب والعترة كمتاعه وحشمه، لأنهما أخص الأشياء به.
قوله: (وركزت فيكم راية الايمان)، أي غرزتها وأثبتها، وهذا من باب الاستعارة.