الأول، لأنه إذا لم يكن العالم مخلوقا بعد لم يصدق عليه أنه قائم بأمره إلا بالقوة لا بالفعل، كما يصدق عليه أنه سميع بصير في الأزل، أي إذا وجدت المسموعات والمبصرات سمعها وأبصرها، ولو سمى قبل خلق الكلام متكلما على هذا التفسير لم أستبعده، وإن كان أصحابنا يأبونه.
والأبراج: الأركان في اللغة العربية.
فإن قلت: فهل يطابق هذا التفسير ما يعتقده أصحاب الهيئة وكثير من الحكماء والمتكلمين أن السماء كرة لا زاوية فيها ولا ضلع؟
قلت: نعم لا منافاة بين القولين، لان الفلك وإن كان كرة لكن فيه من المتممات ما يجرى مجرى أركان الحصن أو السور، فصح إطلاق لفظة الأبراج عليه، والمتممات أجسام في حشو الفلك تخف في موضع، والناس كلهم أثبتوها.
فإن قلت: فهل يجوز أن يحمل لفظ الأبراج على ما يعتقده المنجمون وأهل الهيئة، وكثير من الحكماء والمتكلمين من كون الفلك مقسوما باثني عشر قسما، كل قسم منها يسمى برجا؟
قلت: لا مانع من ذلك، لان هذا المسمى كان معلوما متصورا قبل نزول القرآن، وكان أهل الاصطلاح قد وضعوا هذا اللفظ بإزائه، فجاز أن ينزل القرآن بموجبه، قال تعالى: ﴿والسماء ذات البروج﴾ (1)، وأخذها علي عليه السلام منه، فقال: (إذ لا سماء ذات أبراج)، وارتفع (سماء) لأنه مبتدأ وخبره محذوف، وتقديره (في الوجود).
ثم قال: (ولا حجب ذات أرتاج) والإرتاج مصدر أرتج أي أغلق، أي ذات أغلاق، ومن رواه (ذات رتاج) على (فعال)، فالرتاج الباب المغلق، ويبعد رواية من رواه