بارد يابس والمريخ حار يابس والحار والبارد من الملموسات، وما دل على هذا المس وما استدل عليه بلمس كتأثيره فيما يلمسه، فإن ذلك لم يظهر للحس في غير الشمس، حيث تسخن الأرض بشعاعها، ولو كان في السمائيات شئ من طبائع الأضداد، لكان الأولى أن تكون كلها حارة، لان كواكبها كلها منيرة ومتى يقول الطبيعي بتقطيع الفلك وتقسيمه إلى أجزاء، كما قسمه المنجمون قسمة وهمية إلى بروج ودرج ودقائق، وذلك جائز للمتوهم، كجواز غيره، وليس بواجب في الوجود ولا حاصل، فنقلوا ذلك التوهم الجائز إلى الوجود الواجب في أحكامهم، وكان الأصل فيه على زعمهم حركة الشمس والأيام والشهور، فحصلوا منها قسمة وهمية وجعلوها كالحاصلة الوجودية المثمرة بحدود وخطوط، كأن الشمس بحركتها من وقت إلى مثلة خطت في السماء خطوطا، وأقامت فيها جدرا أو حدودا، أو غيرت في أجزائها طباعا تغييرا يبقى، فيتقى به القسمة إلى تلك الدرج والدقائق، مع جواز الشمس عنها، وليس في جوهر الفلك اختلاف يتميز به موضع عن موضع سوى الكواكب، والكواكب تتحرك عن أمكنتها، فبقيت الأمكنة على التشابه، فبماذا تتميز بروجه ودرجه، ويبقى اختلافها بعد حركة المتحرك في سمتها؟ وكيف يقيس الطبيعي على هذه الأصول وينتج منها نتائج، ويحكم بحسبها أحكاما؟
كيف له أن يقول بالحدود، ويجعل خمس درجات من برج الكوكب وستا لآخر، وأربعا لآخر، ويختلف فيها البابليون والمصريون، وجعلوا أرباب البيوت كأنها ملاك، والبيوت كأنها أملاك، تثبت لأربابها بصكوك وأحكام، الأسد للشمس والسرطان للقمر!
وإذا نظر الناظر وجد الأسد أسدا من جهة كواكب شكلوها بشكل الأسد، ثم انقلبت عن مواضعها وبقى الموضع أسدا، وجعلوا الأسد للشمس، وقد ذهبت منه الكواكب التي كان بها أسدا، كأن ذلك الملك بيت للشمس، مع انتقال الساكن، وكذلك السرطان للقمر.
* * *