قيل لكم: ولم لا يكون سبب الإصابة اتفاق! وإنما يصح لكم هذا التأويل التخريج لو كان على صحة أحكام النجو دليل قاطع، هو غير إصابة، فهلا كان دليل فسادها الخطأ، فما أحدهما إلا في مقابلة صاحبه!
ومما قيل على أصحاب الاحكام، إن قيل لهم في شئ بعينه: خذوا الطالع واحكموا، أيؤخذ أم يترك؟ فإن حكموا بأحدهما خولفوا، وفعل خلاف ما أخبروا به، وهذه المسألة قد أعضل عليهم جوابها.
وقال بعض المتكلمين لبعض المنجمين: أخبرني، لو فرضنا جادة مسلوكة، وطريقا يمشى فيها الناس نهارا وليلا، وفى تلك المحجة آبار متقاربة، وبين بعضها وبعض طريق يحتاج سالكه إلى تأمل وتوقف، حتى يتخلص من السقوط في بعض تلك الآبار، هل يجوز أن تكون سلامة من يمشى بهذا الطريق من العميان كسلامة من يمشى فيه من البصراء، والمفروض أن الطريق لا يخلو طرفة عين من مشاة فيها عميان ومبصرون؟ وهل يجوز أن يكون عطب البصراء مقاربا لعطب العميان؟
فقال المنجم: هذا مما لا يجوز، بل الواجب أن تكون سلامة البصراء أكثر من سلامة العميان.
فقال المتكلم: فقد بطل قولكم، لان مسألتنا نظير هذه الصورة، فإن مثال البصراء هم الذين يعرفون أحكام النجوم، ويميزون مساعدها من مناحسها، ويتوقون بهذه المعرفة مضار الوقت والحركات ويتخطونها ويعتمدون منافعها ويقصدونها، ومثال العميان كل من لا يحسن علم النجوم، ولا يقولون به من أهل العلم والعامة، وهم أضعاف أضعاف عدد المنجمين.