فأما المكذبون به فقد بلغوا من إنكار صحيحه ورد ظاهره إلى أن قالوا: إنه لا يصح منه شئ أصلا، ونسبوا أهله إلى الرزق والاحتيال والخداع والتمويه، فلذلك رأينا أن نبتدئ بتبيين صحة هذه الصناعة ليظهر فساد قول المكذبين لها بأسرها، ثم نبين ما يمكن إدراكه بها ليبطل دعوى المدعين فيها ما يمتنع وجوده بها.
أما الوجوه التي بها تصح صناعة الاحكام فهي كثيرة منها ما يظهر لجميع الناس من قبل الشمس، فإن حدوث الصيف والشتاء وما يعرض فيهما من الحر والبرد والأمطار والرياح ونبات الأرض، وخروج وقت الأشجار وحملها الثمار، وحركة الحيوان إلى النسل والتوالد وغير ذلك، مما يشاكله من الأحوال، إنما يكون أكثر ذلك بحسب دنو الشمس من سمت الرؤوس في ناحية الشمال، وتباعدها منه إلى ناحية الجنوب، وبفضل قوة الشمس على قوة القمر، وقوى سائر الكواكب ظهر ما قلنا لجميع الناس.
وقد ظهر لهم أيضا من قبل الشمس في تغيير الهواء كل يوم، عند طلوعها وعند توسطها السماء، وعند غروبها ما لا خفاء به من الآثار.
ومن هذه الوجوه ما يظهر للفلاحين والملاحين بأدنى تفقد للأشياء التي تحدث، فإنهم يعلمون أشياء كثيرة من الآثار التي يؤثرها القمر وأنوار الكواكب الثابتة، كالمد والجزر، وحركات الرياح والأمطار وأوقاتها عند الحدوث، وما يوافق من أوقات الزراعات وما لا يوافق، وأوقات اللقاح والنتاج.
وقد يظهر من آثار القمر في الحيوان الذي يتوالد في الماء والرطوبات ما هو مشهور لا ينكر.
ومنها جهات أخرى يعرفها المنجمون فقط على حسب فضل علمهم، ودقه نظرهم في هذا