العلم، وإذ قد وصفنا على سبيل الاجمال ما يوجب حقيقة هذا العلم، فإنا نصف ما يمكن إدراكه به أو لا يمكن، فنقول: لما كانت تغيرات الهواء، إنما تحدث بحسب أحوال الشمس والقمر والكواكب المتحيرة والثابتة، صارت معرفة هذه التغيرات قد تدرك من النجوم مع سائر ما يتبعها من الرياح والسحاب والأمطار والثلج والبرد والرعد والبرق، لان الأشياء التي تلى الأرض وتصل إليها هذه الآثار من الهواء المحيط بها، كانت الاعراض العامية التي تعرض في هذه الأشياء تابعة لتلك الآثار مثل كثرة مياه الأنهار وقلتها، وكثرة الثمار وقلتها وكثرة خصب الحيوان وقلته، والجدوبة والقحط والوباء والأمراض التي تحدث في الأجناس والأنواع، أو في جنس دون جنس، أو في نوع دون نوع، وسائر ما يشاكل ذلك من الاحداث.
ولما كانت أخلاق النفس تابعة لمزاج البدن، وكانت الاحداث التي ذكرناها مغيرة لمزاج البدن، صارت أيضا مغيرة للأخلاق، ولان المزاج الأول الأصلي هو الغالب على الانسان في الامر الأكثر، وكان المزاج الأصلي هو الذي طبع عليه الانسان في وقت كونه في الرحم، وفي وقت مولده وخروجه إلى جو العالم صار وقت الكون ووقت المولد أدل الأشياء على مزاج الانسان، وعلى أحواله التابعة للمزاج، مثل خلقة البدن، وخلق النفس والمرض والصحة، وسائر ما يتبع ذلك، فهذه الأشياء وما يشبهها من الأمور التي لا تشارك شيئا من الافعال الإرادية فيه مما يمكن معرفته بالنجوم، وأما الأشياء التي تشارك الأمور الإرادية بعض المشاركة، فقد يمكن أن يصدق فيها هذا العلم على الامر الأكثر، وإذا لم يستعمل فيه الإرادة جرى على ما تقود إليه الطبيعة.
على أنه قد يعرض الخطاء والغلط لأصحاب هذه الصناعة من أسباب كثيرة، بعضها يختص بهذه الصناعة دون غيرها، وبعضها يعمها وغيرها من الصنائع.