واحد متشابه الجوهر والطبع، ولكنها أقوال قال بها قائل فقبلها قائل، ونقلها ناقل، فحسن فيها ظن السامع، واغتر بها من لا خبرة له ولا قدرة له على النظر.
ثم حكم بها الحاكمون بجيد ردئ، وسلب وإيجاب، وبت وتجوز، فصادف بعضه موافقة الوجود فصدق، فيعتبر به المعتبرون، ولم يلتفتوا إلى ما كذب منه فيكذبوه، بل عذروا وقالوا: إنما هو منجم، وليس بنبي، حتى يصدق في كل ما يقول، واعتذروا له بأن العلم أوسع من أن يحيط به أحد، ولو أحاط به أحد لصدق في كل شئ! ولعمر الله أنه لو أحاط به علما صادقا لصدق، والشأن في أن يحيط به على الحقيقة، لا أن يفرض فرضا، ويتوهم وهما فينقله إلى الوجود وينسب إليه، ويقيس عليه.
قال: والذي يصح من هذا العلم ويلتفت إليه العقلاء، هي أشياء غير هذه الخرافات التي لا أصل لها، فما حصل توقيف أو تجربة حقيقة كالقرانات والمقابلة، فإنها أيضا من جملة الاتصالات، كالمقارنة من جهة أن تلك غاية القرب وهذه غاية البعد، ونحو ممر كوكب من المتحيرة، تحت كوكب من الثابتة، ونحوه ما يعرض للمتحيرة من رجوع واستقامة وارتفاع في شمال، وانخفاض في جنوب، وأمثال ذلك.
فهذا كلام ابن ملكا كما تراه يبطل هذا الفن من وجه، ويقول به من وجه.
* * * وقد وقفت لأبي جعفر محمد بن الحسين الصنعاني المعروف بالخازن، صاحب كتاب زيج الصفائح على كلام في هذا الباب مختصر له سماه كتاب العالمين أنا ذاكره في هذا الموضع على وجهه، لأنه كلام لا بأس به، قال: إن بعض المصدقين بأحكام النجوم وكل المكذبين بها، قد زاغوا عن طريق الحق والصواب فيها، فإن الكثير من المصدقين بها قد أدخلوا فيها ما ليس منها، وادعوا ما لم يمكن إدراكه بها، حتى كثر فيها خطؤهم، وظهر كذبهم، وصار ذلك سببا لتكذيب أكثر الناس بهذا العلم.