فكيف نعلم استناد حدوثه إلى ذلك الحلول! فإن في الفلك كواكب لا تحصى، فما الذي خصص حدوث ذلك الحدوث بحلول ذلك الكوكب في ذلك البرج لا غيره. وبتقدير أن يكون لحلوله تأثير في ذلك فلا يمكن الجزم قبل حلوله بأنه إذا حل في البرج المذكور لا بد أن يحدث ذلك الحادث، لجواز أن يوجد ما يبطل تأثيره، نحو أن يحل كوكب آخر في برج آخر، فيدفع تأثيره، ويبطل عمله، أو لعل المادة الأرضية لا تكون مستعدة لقبول تلك الصورة، وحدوث الحادث، كما يتوقف على حصول الفاعل يتوقف على حصول القابل، وإذا وقع الشك في هذه الأمور بطل القول بالجزم بعلم أحكام النجوم، وهذه الحجة، جيدة إن كان المنجمون يطلبون القطع في علمهم.
فأما إن كانوا يطلبون الظن، فإن هذه الحجة لا تفسد قولهم.
* * * فأما أبو البركات بن ملكا البغدادي صاحب كتاب المعتبر، فإنه أبطل أحكام النجوم من وجه وأثبته من وجه.
قال: أما من يريد تطبيق علم أحكام النجوم على قاعدة العلم الطبيعي فإنه لا سبيل له إلى ذلك، فإنا لا نتعلق من أقوالهم إلا بأحكام يحكمون بها من غير دليل، نحو القول بحر الكواكب وبردها أو رطوبتها، ويبوستها واعتدالها، كقولهم: إن زحل بارد يابس، والمشترى معتدل، والاعتدال خير والافراط شر، وينتجون من ذلك أن الخير يوجب سعادة، والشر يوجب منحسة، وما جانس ذلك مما لم يقل به علماء الطبيعيين ولم تنتجه مقدماتهم في أنظارهم، وأنما الذي أنتجته هو أن الاجرام السماوية فعالة فيما تحويه وتشتمل عليه وتتحرك حوله فعلا على الاطلاق غير محدود بوقت، ولا مقدر بتقدير، والقائلون بالأحكام ادعوا حصول علمهم بذلك، من توقيف وتجربة لا يطابق نظر الطبيعي.
وإذا قلت بقول الطبيعي بحسب أنظاره أن المشترى سعد، والمريخ نحس، أو أن زحل