فإن ادعى مدع أن الوصلة هي الهواء، فعن ذلك أجوبة:
أحدها: أن الهواء لا يجوز أن يكون وصلة وآلة في الحركات الشديدة وحمل الأثقال، لا سيما إذا لم يتموج.
والثاني: أنه كان يجب أن نحس بذلك، ونعلم أن الهواء يحركنا ويصرفنا، كما نعلم في الجسم إذا حركنا وصرفنا بآلة موضع تحريكه لنا بتلك الآلة.
والثالث: أن في الافعال الحادثة فينا ما لا يجوز أن يفعل بآلة، ولا يتولد عن سبب، كالإرادات والاعتقادات ونحوها.
وقد دلل أصحابنا أيضا على إبطال كون الكواكب فاعلة للأفعال فينا، بأن ذلك يقتضى سقوط الأمر والنهي، والمدح والذم، ويلزمهم ما يلزم المجبرة، وهذا الوجه يبطل كون الكواكب فاعلة، فينا بالايجاب، كما يبطل كونها فاعلة بالاختيار.
وأما القول بأنها أمارات على ما يحدث ويتجدد، فيمكن أن ينصر بأن يقال:
لم لا يجوز أن يكون الله تعالى أجرى العادة، بأن يفعل أفعالا مخصوصة عند طلوع كوكب أو غروبه أو اتصاله بكوكب آخر.
والكلام على ذلك بأن يقال: هذا غير ممتنع لو ثبت سمع مقطوع به يقتضى ذلك، فإن هذا مما لا بعلم بالعقل.
فإن قالوا: نعلم بالتجربة.
قيل لهم: التجربة إنما تكون حجة إذا استمرت واطردت، وأنتم خطؤكم فيما تحكمون به أكثر من صوابكم، فهلا نسبتم الصواب الذي يقع منكم إلى يقع الاتفاق التخمين!
فقد رأينا من أصحاب الزرق (1) والتخمين من يصيب أكثر مما يصيب المنجم، وهو من غير أصل صحيح ولا قاعدة معتمدة، ومتى قلتم: إنما أخطأ المنجم لغطه في تسيير الكواكب،