في ألفين، وقد تتام أصحاب مرداس أربعين رجلا، فلما صار أسلم إليهم صاح به أبو بلال:
اتق الله يا أسلم، فإنا لا نريد فسادا (1) في الأرض، ولا نحتجر فيئا، فما الذي تريد؟ قال:
أريد أن أردكم إلى ابن زياد، قال: إذن يقتلنا، قال: وإن قتلكم! قال: تشرك في دمائنا، قال إني أدين بأنه محق وأنتم مبطلون، فصاح به حريث بن حجل: أهو محق، وهو يطيع الفجرة وهو أحدهم، ويقتل بالظنة ويخص بالفئ، ويجور في الحكم! أما علمت أنه قتل بابن سعاد أربعة برآء وأنا أحد قتلته، وضعت في بطنه دراهم كانت معه.
ثم حملوا على أسلم حملة رجل واحد، فانهزم هو وأصحابه من غير قتال، وكاد يأسره معبد أحد الخوارج، فلما عاد إلى ابن زياد غضب عليه غضبا شديدا، وقال ويلك! أتمضي في ألفين، فتهزم بهم من حملة أربعين! فكان أسلم يقول: لان يذمني ابن زياد وأنا حي، أحب إلى أن يمدحني وأنا ميت.
وكان إذا خرج إلى السوق، أو مر بصبيان صاحوا به: أبو بلال وراءك! وربما صاحوا به: يا معبد خذه، حتى شكا إلى ابن زياد، فأمر الشرط أن يكفوا الناس عنه، ففي ذلك يقول عيسى بن فاتك، من بنى تيم اللات بن ثعلبة أحد الخوارج:
فلما أصبحوا صلوا وقاموا * إلى الجرد العتاق مسومينا (2) فلما استجمعوا حملوا عليهم * فظل ذوو الجعائل يقتلونا (3) بقية يومهم حتى أتاهم * سواد الليل فيه يراوغونا يقول نصيرهم لما أتاهم * فإن القوم ولوا هاربينا أألفا مؤمن فيكم زعمتم * ويهزمكم بآسك أربعونا