قال أبو العباس: فأما ما كان من مرداس، فإن عبيد الله بن زياد ندب إليه الناس، فاختار عباد بن أخضر المازني - وليس بابن أخضر، بل هو عباد بن علقمة المازني وكان أخضر زوج أمه، وغلب عليه - فوجهه إلى مرداس وأصحابه في أربعة آلاف فارس، وكانت الخوارج قد تنحت من موضعها، إلى دار أبجرد من أرض فارس، فصار إليهم عباد، فكان التقاؤهم في يوم جمعة، فناداه أبو بلال: اخرج إلى يا عباد، فإني أريد أن أحاورك، فخرج إليه، فقال: ما الذي تبغى؟ قال: أن آخذ بأقفيتكم فأردكم إلى الأمير عبيد الله بن زياد، قال: أو غير ذلك، أن نرجع، فإنا لا نخيف سبيلا، ولا نذعر مسلما، ولا نحارب إلا من يحاربنا، ولا نجبي إلا ما حمينا، فقال عباد: الامر ما قلت لك، فقال له حريث بن حجل: أتحاول أن ترد فئة من المسلمين إلى جبار عنيد ضال! فقال لهم: أنتم أولى بالضلال منه، وما من ذاك من بد.
قال: وقدم القعقاع بن عطية الباهلي من خراسان، يريد الحج، فلما رأى الجمعين قال:
ما هذا؟ قالوا: الشراة، فحمل عليهم ونشبت الحرب بينهم، فأخذت الخوارج القعقاع أسيرا، فأتوا به أبا بلال، فقال له: من أنت؟ قال: ما أنا من أعدائك، إنما قدمت للحج، فحملت وغررت، فأطلقه، فرجع إلى عباد وأصلح من شأنه، وحمل على الخوارج ثانية، وهو يقول:
أقاتلهم وليس على بعث * نشاطا ليس هذا بالنشاط أكر على الحروريين مهري * لأحملهم على وضح الصراط فحمل عليه حريث بن حجل السدوسي، وكهمس بن طلق الصريمي، فأسراه وقتلاه ولم يأتيا به أبا بلال. ولم يزل القوم يجتلدون حتى جاء وقت صلاة الجمعة، فناداهم أبو بلال:
يا قوم هذا وقت الصلاة، فوادعونا حتى نصلى وتصلوا، قالوا: لك ذاك، فرمى القوم أجمعون