المسرف على نفسه، الجبار العنيد قد ذكرك، قالت: إن يأخذني فهو أشقى به، فأما أنا فما أحب أن يعنت إنسان بسببي (1)، فوجه إليها عبيد الله بن زياد، فأتى بها فقطع يديها ورجليها، ورمى بها في السوق، فمر بها أبو بلال والناس مجتمعون، فقال: ما هذا؟ قالوا:
البلجاء، فعرج إليها فنظر ثم عض على لحيته، وقال لنفسه: هذه لهذه أطيب نفسا من بقية الدنيا منك يا مرداس.
قال: ثم أن عبيد الله أخذ مرداسا فحبسه (2 فرأى صاحب السجن منه شدة اجتهاده، وحلاوة منطقه، فقال له: إني أرى لك مذهبا حسنا 2)، وإني لأحب أن أوليك معروفا، أفرأيتك إن تركتك تنصرف ليلا إلى بيتك أتدلج (3) إلى؟ قال: نعم، فكان يفعل ذلك [به] (2).
ولج عبيد الله في حبس الخوارج وقتلهم، وكلم في بعضهم فأبى وقال: أقمع (4) النفاق قبل أن ينجم، لكلام هؤلاء أسرع إلى القلوب من النار إلى اليراع (5).
فلما كان ذات يوم قتل رجل من الخوارج رجلا من الشرطة، فقال ابن زياد:
ما أدرى ما أصنع بهؤلاء! كلما أمرت رجلا بقتل رجل منهم قتلوا بقاتله، لأقتلن من في حبسي منهم. وأخرج السجان مرداسا إلى منزله كما كان يفعل، فأتى مرداسا الخبر، فلما كان في السحر، تهيأ للرجوع إلى السجن، فقال له أهله: اتق الله في نفسك، فإنك إذا رجعت قتلت، فأبى وقال: والله ما كنت لألقى الله غادرا. فرجع إلى السجان، فقال: إني قد علمت ما عزم عليه صاحبك، قال: أعلمت، ثم جئت (6).