قال أبو العباس: ويروى أن مرداسا مر بأعرابي يهنأ (1) بعيرا له، فهرج (2) البعير، فسقط مرداس مغشيا عليه، فظن الاعرابي أنه صرع، فقرأ في أذنه، فلما أفاق قال له الا عربي: إني قرأت في أذنك، فقام مرداس: ليس بي ما خفته على، ولكني رأيت بعيرا هرج من القطران، فذكرت به قطران جهنم، فأصابني ما رأيت، فقال الاعرابي:
لا جرم! والله لا أفارقك أبدا.
قال أبو العباس: وكان مرداس قد شهد مع علي عليه السلام صفين، ثم أنكر التحكيم، وشهد النهروان، ونجا فيمن نجا، ثم حبسه ابن زياد، كما ذكرناه، وخرج من حبسه، فرأى جد ابن زياد في طلب الشراة، فعزم على الخروج، فقال لأصحابه: أنه والله ما يسعنا المقام مع هؤلاء الظالمين، تجرى علينا أحكامهم، مجانبين للعدل، مفارقين للقصد (3)، والله إن الصبر على هذا لعظيم، وإن تجريد السيف وإخافة الناس لعظيم، ولكنا ننبذ عنهم، ولا نجرد سيفا، ولا نقاتل إلا من قاتلنا. فاجتمع إليه أصحابه زهاء ثلاثين رجلا، منهم حريث بن حجل وكهمس بن طلق الصريمي، وأرادوا أن يولوا أمرهم حريثا فأبى، فولوا أمرهم مرداسا، فلما مضى بأصحابه لقيه عبد الله بن رباح الأنصاري - وكان له صديقا - فقال: يا أخي، أين تريد؟ قال: أريد أن أهرب بديني ودين أصحابي من أحكام هؤلاء الجورة، فقال، أعلم بكم أحد؟ قال: لا، قال: فارجع، قال: أو تخاف على نكرا (4)؟ قال: نعم، وأن يؤتى بك. قال: لا تخف، فإني لا أجرد سيفا، ولا أخيف أحدا، ولا أقاتل إلا من قاتلني.
ثم مضى حتى نزل آسك وهي ما بين رامهرمز وأرجان، فمر به مال يحمل إلى ابن