وعليهم الضحاك بن قيس الفهري، فأطافوا كلهم بمعاوية، وكان أهل الشام أكثر من أهل العراق بالضعف، وسار أبو الأعور وعمرو بن العاص ومن معهما، حتى وقفا بحيال أهل العراق، فنظرا إليهم واستقلا جمعهم، وطمعا فيهم، ونصب لمعاوية منبر، فقعد عليه في قبة ضربها، ألقى عليها الثياب والأرائك، وأحاط به أهل يمن، وقال: لا يقربن هذا المنبر أحد لا تعرفونه إلا قتلتموه كائنا من كان.
قال نصر: وأرسل عمرو إلى معاوية: قد عرفت ما بيننا من العهد والعقد، فاعصب برأسي هذا الامر، وأرسل إلى أبى الأعور فنحه عنى ودعني والقوم، فأرسل معاوية إلى أبى الأعور أن لأبي عبد الله رأيا وتجربة ليست لي ولا لك، وقد وليته أعنة الخيل، فسر أنت حتى تقف بخيلك على تل كذا ودعه والقوم.
فسار أبو الأعور، وبقى عمرو بن العاص فيمن معه واقفا بإزاء عسكر العراق، فنادى عمرو ابنيه: عبد الله ومحمدا، فقال لهما: قدما هؤلاء الدرع، وأخرا هؤلاء الحسر، وأقيما الصف قص الشارب، فإن هؤلاء قد جاءوا بخطة قد بلغت السماء.
فمشيا برايتهما، فعدلا الصفوف وسار بينهما عمرو فأحسن الصف ثانيه، ثم حمل قيسا وكليبا وكنانة على الخيول، ورجل سائر الناس.
قال نصر: وبات كعب بن جعيل التغلبي، شاعر أهل الشام تلك الليلة يرتجز وينشد:
أصبحت الأمة في أمر عجب * والملك مجموع غدا لمن غلب أقول قولا صادقا غير كذب (1) * إن غدا يهلك أعلام العرب (2) غدا نلاقي ربنا فنحتسب * غدا يصيرون رمادا قد ذهب (3)