يتأخر عما أجل له، ليس على معنى أن القاتل مضطر إلى (١) قتله، حتى لا يمكنه الامتناع منه، بل هو قادر على أن يمتنع من قتله، ولكنه لا يمتنع منه، إذ كان المعلوم أنه يقتله لأجله بعينه، وكتب ذلك عليه. ولو توهمنا في التقدير، أنه يمتنع من قتله لكان الانسان يموت لأجل ذلك، لأنهما أمران مؤجلان بأجل واحد، فأحدهما قتل القاتل إياه، والثاني تصرم مدة عمره وحلول الموت به، فلو قدرنا امتناع القاتل من قتله، لكان لا يجب بذلك ألا يقع المؤجل الثاني الذي هو حلول الموت به، بل كان يجب أن يموت بأجله.
قال: وبيان ذلك من كتاب الله توبيخه المنافقين على قولهم: (لو كانوا (٢) عندنا ما ماتوا وما قتلوا)، فقال تعالى لهم: ﴿قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين﴾ (3)، فدل على أنهم لو تجنبوا مصارع القتل لم يكونوا ليدرءوا بذلك الموت عن أنفسهم.
وقالت الأشعرية والجهمية والجبرية كافة: إنها آجال مضروبة محدودة، وإذا أجل الاجل، وكان في المعلوم أن بعض الناس يقتل، وجب وقوع القتل منه لا محالة، وليس يقدر القاتل على الامتناع من قتله، وتقدير انتفاء القتل ليقال: كيف كانت تكون الحال، تقدير أمر محال، كتقدير عدم القديم وإثبات الشريك، وتقدير الأمور المستحيلة لغو وخلف من القول.
وقال قوم من أصحابنا البغداديين رحمهم الله بالقطع على حياته لو لم يقتله القاتل، وهذا عكس مذهب أبي الهذيل ومن وافقه، وقالوا: لو كان المقتول يموت في ذلك الوقت لو لم يقتله القاتل لما كان القاتل مسيئا إليه، إذ لم يفوت عليه حياة لو لم يبطلها لبقيت، ولما استحق