واختلف المتكلمون في الآجال، فقالت المعتزلة: ينبغي أولا أن نحقق مفهوم قولنا:
(أجل) ليكون البحث في التصديق بعد تحقق التصور، فالاجل عندنا هو الوقت الذي يعلم الله أن حياة ذلك الانسان أو الحيوان تبطل فيه، كما أن أجل الدين هو الوقت الذي يحل فيه، فإذا سألنا سائل فقال: هل للناس آجال مضروبة؟ قلنا له: ما تعنى بذلك؟
أتريد: هل يعلم الله تعالى الأوقات التي تبطل فيها حياة الناس؟ أم تريد بذلك أنه: هل يراد بطلان حياة كل حي في الوقت الذي بطلت حياته فيه؟
فإن قال: عنيت الأول، قيل له: نعم للناس آجال مضروبة بمعنى معلومة، فإن الله تعالى عالم بكل شئ.
وإن قال: عنيت الثاني، قيل: لا يجوز عندنا إطلاق القول بذلك، لأنه قد تبطل حياة نبي أو ولى بقتل ظالم، والباري تعالى لا يريد عندنا ذلك.
فإن قيل: فهل تقولون: إن كل حيوان يموت وتبطل حياته بأجله؟ قيل: نعم، لان الله قد علم الوقت الذي تبطل حياته فيه، فليس تبطل حياته إلا في ذلك الوقت، لا لان العلم ساق إلى ذلك، بل إنما تبطل حياته بالامر الذي اقتضى بطلانه، والباري تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه، فإن بطلت حياته بقتل ظالم فذلك ظلم وجور، وإن بطلت حياته من قبل الله تعالى فذلك حكمة وصواب. وقد يكون ذلك لطفا لبعض المكلفين.
واختلف الناس: لو لم يقتل القاتل المقتول، هل كان يجوز أن يبقيه الله تعالى؟ فقطع الشيخ أبو الهذيل على موته لو لم يقتله القاتل، وإليه ذهب الكرامية، قال محمد بن الهيصم: مذهبنا أن الله تعالى قد أجل لكل نفس أجلا لن ينقضي عمره دون بلوغه، ولا يتأخر عنه، ومعنى الاجل هو الوقت الذي علم الله أن الانسان يموت فيه، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، وليس يجوز أن يكون الله تعالى قد أجل له أجلا، ثم يقتل قبل بلوغه أو يخترم دونه، ولا أن