وقد كان الحجاج بعث إلى عتاب بن ورقاء الرياحي ليأتيه، وكان على خيل الكوفة مع المهلب، ودعا الحجاج أشراف أهل الكوفة، منهم زهرة بن حوية، وقبيصة بن والق، فقال: من ترون أن أبعث على هذا الجيش؟ قالوا: رأيك أيها الأمير أفضل، قال: إني قد بعثت إلى عتاب بن ورقاء وهو قادم عليكم الليلة، فيكون هو الذي يسير بالناس، فقال زهرة بن حوية: أصلح الله الأمير! رميتهم بحجرهم، لا والله لا يرجع إليك حتى يظفر أو يقتل.
فقال قبيصة بن والق: وإني مشير عليك أيها الأمير برأي اجتهدته، نصيحة لك ولأمير المؤمنين ولعامة المسلمين، إن الناس قد تحدثوا أن جيشا قد وصل إليك من الشام، لان أهل الكوفة قد هزموا، وهان عليهم الفرار والعار من الهزيمة، فكأنما قلوبهم في صدور قوم آخرين، فإن رأيت أن تبعث إلى الجيش الذي قد أمددت به من أهل الشام، فليأخذوا حذرهم، ولا يثبتوا بمنزل إلا وهم يرون أنهم يبيتون فعلت، فإن فعلت فإنك إنما تحارب حولا قلبا محلالا مظعانا (1)، إن شبيبا بينا هو في أرض إذا هو في أخرى، ولا آمن أن يأتيهم وهم غارون، فإن يهلكوا يهلك العراق كله.
فقال الحجاج: لله أبوك! ما أحسن ما رأيت! وما أصح ما أشرت به! فبعث إلى الجيش الوارد عليه من الشام كتابا قرأوه وقد نزلوا هيت، وهو:
أما بعد، فإذا حاذيتم هيت، فدعوا طريق الفرات والأنبار، وخذوا على عين التمر، حتى تقدموا الكوفة، إن شاء الله (2).
فأقبل القوم سراعا، وقدم عتاب بن ورقاء في الليلة التي قال الحجاج إنه فيها قادم، فأمره الحجاج، فخرج بالناس، وعسكر بحمام (3) أعين، وأقبل شبيب حتى انتهى