[فصل في اختلاف الرأي في معنى السب والبراءة] المسألة الرابعة:
أن يقال: كيف قال عليه السلام: (فأما السب فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة فلا تبرءوا منى)؟ وأي فرق بين السب والبراءة؟ وكيف أجاز لهم السب ومنعهم عن التبرؤ، والسب أفحش من التبرؤ!
والجواب، أما الذي يقوله أصحابنا في ذلك فإنه لا فرق عندهم بين سبه (١) والتبرؤ منه، في أنهما حرام وفسق وكبيرة، وأن المكره عليهما يجوز له فعلهما عند خوفه على نفسه، كما يجوز له إظهار كلمة الكفر عند الخوف.
ويجوز ألا يفعلهما وإن قتل، إذا قصد بذلك إعزاز الدين، كما يجوز له أن يسلم نفسه للقتل ولا يظهر كلمة الكفر إعزاز للدين، وإنما استفحش عليه السلام البراءة لأن هذه اللفظة ما وردت في القرآن العزيز إلا عن المشركين، ألا ترى إلى قوله تعالى:
(براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين (٢))، وقال تعالى:
﴿.. أن الله برئ من المشركين ورسوله﴾ (3)، فقد صارت بحسب العرف الشرعي مطلقه على المشركين خاصة، فإذن يحمل هذا النهى على ترجيح تحريم لفظ البراءة على لفظ السب، وإن كان حكمهما واحدا، ألا ترى أن إلقاء المصحف في القذر أفحش من إلقاء المصحف في دن الشراب، وإن كانا جميعا محرمين، وكان حكمهما واحدا!
فأما الامامية فتروي عنه عليه السلام أنه قال: إذا عرضتم على البراءة منا فمدوا الأعناق.
ويقولون: إنه (4) لا يجوز التبرؤ منه، وإن كان الحالف صادقا، وإن عليه الكفارة.