فرضنا أنه لا يقع وما لا يقع لا يمكن حصوله مع فرض كونه لا يقع، فقال لهم أصحابنا: هذا يلزمكم في الامر، لأنكم قد أجزتم أن يأمر بما يعلم أنه لا يقع، فقالوا في الجواب: نحن عندنا أنه يأمر بما لا يريد، فإذا أمر بما يعلم أنه لا يقع، أو يخبر عن أنه لا يقع، كان ذلك الامر أمرا عاريا عن الإرادة، والمحال إنما نشأ من إرادة ما علم المريد أنه لا يقع، وهاهنا لا إرادة.
فقيل لهم: هب أنكم ذهبتم إلى أن الامر قد يعرى من الإرادة مع كونه أمرا، ألستم تقولون: إن الامر يدل على الطلب، والطلب شئ آخر غير الإرادة! وتقولون: إن ذلك الطلب قائم بذات البارئ، فنحن نلزمكم في الطلب القائم بذات البارئ، الذي لا يجوز أن يعرى (1) الامر منه ما ألزمتمونا في الإرادة.
ونقول لكم: كيف يجوز أن يطلب الطالب ما يعلم أنه لا يقع! أليس تحت قولنا: طلب مفهوم، أن ذلك المطلوب مما يمكن وقوعه! فالحال في الطلب كالحال في الإرادة، حذو النعل بالنعل. ولنا في هذا الموضع أبحاث دقيقة ذكرناها في كتبنا الكلامية.
* * * [فصل فيما روى من سب معاوية وحزبه لعلى] المسألة الثانية: في قوله عليه السلام: (يأمركم بسبي والبراءة منى)، فنقول: إن معاوية أمر الناس بالعراق والشام وغيرهما بسب علي عليه السلام والبراءة منه.
وخطب بذلك على منابر الاسلام، وصار ذلك سنة في أيام بنى أميد إلى أن قام عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه فأزاله. وذكر شيخنا أبو عثمان الجاحظ أن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم إن أبا تراب الحد في دينك، وصد عن سبيلك