ويقولون: إن حكم البراءة من الله تعالى ومن الرسول ومنه عليه السلام ومن أحد الأئمة عليهم السلام، حكم واحد.
ويقولون: إن الاكراه على السب يبيح إظهاره، ولا يجوز الاستسلام للقتل معه، وأما الاكراه على البراءة، فإنه يجوز معه الاستسلام للقتل ويجوز أن يظهر التبرؤ، والأولى أن يستسلم للقتل.
* * * [فصل في معنى قول على: (إني ولدت على الفطرة)] المسألة الخامسة: أن يقال: كيف علل نهيه لهم على البراءة منه عليه السلام، بقوله: (فإني ولدت على الفطرة)، فإن هذا التعليل لا يختص به عليه السلام، لان كل أحد (1) يولد على الفطرة، قال النبي صلى الله عليه وآله: (كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه وينصرانه).
والجواب، أنه عليه السلام علل نهيه لهم عن البراءة منه بمجموع أمور وعلل، وهي كونه ولد على الفطرة، وكونه سبق إلى الايمان والهجرة، ولم يعلل بآحاد هذا المجموع، ومراده هاهنا بالولادة على الفطرة أنه لم يولد في الجاهلية، لأنه ولد عليه السلام لثلاثين عاما مضت من عام الفيل، والنبي صلى الله عليه وآله أرسل لأربعين سنة مضت من عام الفيل، وقد جاء في الأخبار الصحيحة أنه صلى الله عليه وآله مكث قبل الرسالة سنين عشرا يسمع الصوت ويرى الضوء، ولا يخاطبه أحد، وكان ذلك إرهاصا لرسالته عليه السلام فحكم تلك السنين العشر حكم أيام رسالته صلى الله عليه وآله، فالمولود فيها إذا كان في حجره وهو المتولي لتربيته مولود في أيام كأيام النبوة، وليس بمولود في جاهلية محضة، ففارقت حاله حال من يدعى له من الصحابة مماثلته في الفضل. وقد روى أن السنة التي ولد فيها على