عبد الرحمن ومن معه، وهم معسكرون على نهر حولايا، قريبا من البت، وذلك يوم التروية (1) عشاء، فنادى في الناس، وهو على تلعة (2): أيها الناس، اخرجوا إلى عدوكم.
فوثبوا إليه، وقالوا: ننشدك الله! هذا المساء قد غشينا، والناس لم يوطنوا أنفسهم على القتال فبت الليلة ثم اخرج على تعبية، فجعل يقول: لأناجزنهم الليلة، ولتكونن الفرصة لي أو لهم، فأتاه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فأخذ بعنان بغلته، وناشده الله لما نزل، وقال له عقيل بن شداد السلولي: إن الذي تريده من مناجزتهم الساعة أنت فاعله غدا، وهو خير لك وللناس، إن هذه ساعة ريح قد اشتدت مساء فأنزل، ثم أبكر بنا غدوة.
فنزل وسفت عليه الريح، وشق عليه الغبار، فاستدعى صاحب الخراج علوجا، فبنوا له قبة، فبات فيها، ثم أصبح فخرج بالناس، فاستقبلتهم ريح شديدة وغبرة، فصاح الناس إليه، وقالوا: ننشدك الله ألا تخرج بنا في هذا اليوم! فإن الريح علينا، فأقام ذلك اليوم.
وكان شبيب يخرج إليهم، فلما رآهم لا يخرجون إليه أقام، فلما كان الغد خرج عثمان يعبى الناس على أرباعهم، وسألهم: من كان على ميمنتكم وميسرتكم؟ فقالوا: خالد بن نهيك بن قيس الكندي على ميسرتنا، وعقيل بن شداد السلولي على ميمنتنا، فدعاهما وقال لهما: قفا في مواقفكما التي كنتما بها فقد وليتكما المجنبتين، فاثبتا ولا تفرا، فوالله لا أزول حتى تزول نخيل راذان عن أصولها. فقالا: نحن والله الذي لا إله إلا هو لا نفر حتى نظفر أو نقتل، فقال لهما: جزاكما الله خيرا! ثم أقام حتى صلى بالناس الغداة، ثم خرج بالخيل، فنزل يمشى في الرجال، وخرج شبيب ومعه يومئذ مائة وأحد وثمانون رجلا، فقطع إليهم النهر، وكان هو في ميمنة أصحابه، وجعل على الميسرة سويد بن سليم، وجعل في القلب مصادا أخاه وزحفوا، وكان عثمان بن قطن يقول لأصحابه فيكثر: (قل لن