الحجاج بمال وتبعة (1)، فمنهم رجل يقال له الحر بن عبد الله بن عوف، كان قتل دهقانين من أهل نهر دير قيط، كانا أساءا إليه، ولحق بشبيب حتى شهد معه مواطنه إلى أن هلك، وله مقام عند الحجاج، وكلام سلم به من القتل، وهو أن الحجاج بعد هلاك شبيب، أمن كل من خرج إليه ممن كان يطلبهم الحجاج بمال، أو تبعة، فخرج إليه الحر فيمن خرج، فجاء أهل الدهقانين يستعدون عليه الحجاج، فأحضره، وقال: يا عدو الله، قتلت رجلين من أهل الخراج، فقال: قد كان أصلحك الله منى ما هو أعظم من هذا، قال: وما هو؟ قال:
خروجي عن الطاعة، وفراقي الجماعة، ثم إنك أمنت كل من خرج عليك، وهذا أماني وكتابك لي.
فقال الحجاج: قد لعمري فعلت، ذلك أولى لك! وخلى سبيله.
ثم لما بأخ الحر (2)، وسكن عن شبيب خرج من ماه نهروان في نحو من ثمانمائة رجل فأقبل نحو المدائن، وعليها المطرف بن المغيرة بن شعبة، فجاء حتى نزل قناطر حذيفة (3) بن اليمان فكتب ماذراسب (4) وهو عظيم بابل مهروذ إلى الحجاج يخبره خبر شبيب وقدومه إلى قناطر حذيفة، فقام الحجاج في الناس وخطبهم، وقال:
أيها الناس، لتقاتلن عن بلادكم وفيئكم، أو لأبعثن إلى قوم هم أطوع وأسمع، وأصبر على البلاء (5) منكم، فيقاتلون عدوكم ويأكلون فيئكم - يعنى جند الشام.
فقام إليه الناس من كل جانب، يقولون: بل نحن نقاتلهم، ونغيث (6) الأمير، ليندبنا إليهم، فإنا حيث يسره.