بنا كآبة ظاهرة، وجراحات شديدة: ما أشد هذا الذي بنا لو كنا نطلب الدنيا! وما أيسر هذا في طاعة الله وثوابه! فقال أصحابه: صدقت يا أمير المؤمنين.
قال فروة بن لقيط: وسمعته تلك الليلة يحدث سويد بن سليم، ويقول له: لقد قتلت منهم أمس رجلين من أشجع (1) الناس، خرجت عشية أمس طليعة لكم، فلقيت منهم ثلاثة نفر دخلوا قرية يشترون منها حوائجهم، فاشترى أحدهم حاجته، وخرج قبل أصحابه فخرجت معه، فقال لي: أراك لم تشتر علفا (2)! فقلت: إن لي رفقاء قد كفوني ذلك، ثم قلت له: أين ترى عدونا [هذا نزل] (3)؟ فقال: بلغني أنه قد نزل قريبا منا، وأيم الله لوددت أنى لقيت شبيبهم هذا، قلت: أفتحب ذلك؟ قال: أي والله، قلت: فخذ حذرك، فأنا والله شبيب، وانتضيت السيف، فخر والله ميتا [فقلت له:
ارتفع ويحك! وذهبت أنظر فإذا هو قد مات] (3) فانصرفت راجعا، فاستقبلت الاخر خارجا من القرية، فقال: أين تذهب هذه الساعة التي يرجع فيها الناس إلى معسكرهم؟
فلم أكلمه، ومضيت، فنفرت بي فرسي، وذهبت تتمطر (4)، فإذا به في أثرى حتى لحقني، فعطفت عليه، وقلت: ما بالك؟ قال: أظنك والله من عدونا. قلت: أجل والله، قال: إذا لا تبرح حتى أقتلت أو تقتلني، فحملت عليه وحمل على، فاضطربنا بسيفينا ساعة، فوالله ما فضلته في شدة نفس ولا إقدام، إلا أن سيفي كان أقطع من سيفه فقتلته.
* * * وبلغ شبيبا أن جند الشام الذي مع حبيب حملوا معهم حجرا، وحلفوا لا يفرون حتى يفر هذا الحجر، فأراد أن يكذبهم، فعمد إلى أربعة أفراس، وربط في أذنابها ترسة،