وهذا الكلام استعارة شبه من عساه يلحق به من أهل الشام بمن يعشو ليلا إلى النار، وذلك لان بصائر أهل الشام ضعيفة، فهم من الاهتداء بهداه عليه السلام كمن يعشو ببصر ضعيف إلى النار في الليل، قال: ذاك أحب إلى من أن أقتلهم على ضلالهم، وإن كنت لو قتلتهم على هذه الحالة لباءوا بآثامهم، أي رجعوا، قال سبحانه: (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك) (1) أي ترجع.
* * * [من أخبار يوم صفين] لما ملك أمير المؤمنين عليه السلام الماء بصفين ثم سمح لأهل الشام بالمشاركة فيه والمساهمة، رجاء أن يعطفوا إليه، واستمالة لقلوبهم وإظهارا للمعدلة وحسن السيرة فيهم، مكث أياما لا يرسل إلى معاوية، ولا يأتيه من عند معاوية أحد، واستبطأ أهل العراق إذنه لهم في القتال، وقالوا: يا أمير المؤمنين، خلفنا ذرارينا ونساءنا بالكوفة، وجئنا إلى أطراف الشام لنتخذها وطنا، ائذن لنا في القتال، فإن الناس قد قالوا. قال لهم عليه السلام:
ما قالوا؟ فقال منهم قائل: إن الناس يظنون أنك تكره الحرب كراهية للموت، وإن من الناس من يظن أنك في شك من قتال أهل الشام. فقال عليه السلام: ومتى كنت كارها للحرب قط! إن من العجب حبى لها غلاما ويفعا، وكراهيتي لها شيخا بعد نفاد العمر وقرب الوقت! وأما شكى في القوم فلو شككت فيهم لشككت في أهل البصرة، والله لقد ضربت هذا الامر ظهرا وبطنا، فما وجدت يسعني إلا القتال أو أن أعصى الله ورسوله، ولكني أستأني بالقوم، عسى أن يهتدوا أو تهتدي منهم طائفة، فإن