نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين)، (1) ثم حمل على الميسرة ففضها، وصمد نحو القلب، وعتاب جالس على طنفسة، هو وزهرة ابن حوية، فغشيهم شبيب، فانفض الناس عن عتاب وتركوه، فقال عتاب: يا زهرة، هذا يوم كثر فيه العدد، وقل فيه الغناء، لهفي على خمسمائة فارس من وجوه الناس، ألا صابر لعدوه! ألا مواس بنفسه! فمضى الناس على وجوههم، فلما دنا منه شبيب وثب إليه في عصابة قليلة صبرت معه، فقال له بعضهم: إن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث قد هرب، وانصفق معه ناس كثير، فقال: أما إنه قد فر قبل اليوم، وما رأيت مثل ذلك الفتى، ما يبالي ما صنع، ثم قاتلهم ساعة، وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط موطنا لم أبل بمثله، أقل ناصرا، ولا أكثرها ربا خاذلا، فرآه رجل من بنى تغلب من أصحاب شبيب - وكان أصاب دما في قومه، والتحق بشبيب: فقال: إني لأظن هذا المتكلم عتاب ابن ورقاء، فحمل عليه فطعنه، فوقع وقتل، ووطئت الخيل زهرة بن حوية، فأخذ يذبب بسيفه، وهو شيخ كبير لا يستطيع أن ينهض، فجاءه الفضل بن عامر الشيباني فقتله، وانتهى إليه شبيب، فوجده صريعا فعرفه، فقال: من قتل هذا؟ قال الفضل: أنا قتلته، فقال شبيب: هذا زهرة بن حوية، أما والله لئن كنت قتلت على ضلالة، لرب يوم من أيام المسلمين قد حسن فيه بلاؤك، وعظم فيه غناؤك، ولرب خيل للمشركين هزمتها، وسرية لهم ذعرتها، ومدينة لهم فتحتها! ثم كان في علم الله أن تقتل ناصرا للظالمين.
وقتل يومئذ وجوه العرب من عسكر العراق في المعركة: واستمكن شبيب من أهل العسكر، فقال: ارفعوا عنهم السيف، ودعاهم إلى البيعة، فبايعه الناس عامة من ساعتهم، واحتوى على جميع ما في العسكر، وبعث إلى أخيه وهو بالمدائن، فأتاه فأقام بموضع المعركة يومين، ودخل سفيان بن الأبرد الكلبي، وحبيب بن عبد الرحمن فيمن معهما