بدأ هو، وإن هجهج (1) أقدم، وإني قد قاتلتهم وبلوتهم، فإذا أصحرت لهم انتصفوا منى، وكان لهم الفضل على، وإذا خندقت أو قاتلت في مضيق نلت منهم ما أحب، وكانت لي عليهم، فلا تلقهم وأنت تستطيع إلا وأنت في تعبية أو خندق، ثم ودعه، وقال له:
هذه فرسي الفسيفساء خذها فيها لا تجاري، فأخذها ثم خرج بالناس نحو شبيب، فلما دنا منه ارتفع شبيب عنه إلى دقوقاء وشهرزور، فخرج عبد الرحمن في طلبه، حتى إذا كان على تخوم تلك الأرض أقام، وقال: إنما هو في أرض الموصل، فليقاتل أمير الموصل وأهلها عن بلادهم أو فليدعوا.
وبلغ ذلك الحجاج، فكتب إليه:
أما بعد فاطلب شبيبا واسلك في أثره (2) أين سلك حتى تدركه فتقتله أو تنفيه عن الأرض، فإنما السلطان سلطان أمير المؤمنين، والجند جنده. والسلام.
فلما قرأ عبد الرحمن كتاب الحجاج خرج في طلب شبيب، فكان شبيب يدعه، حتى إذا دنا منه ليبيته فيجده قد خندق وحذر، فيمضى ويتركه، فيتبعه عبد الرحمن فإذا بلغ شبيبا أنه قد تحمل وسار يطلبه كر في الخيل نحوه، فإذا انتهى إليه وجده قد صف خيله ورجالته المرامية، فلا يصيب له غرة ولا غفلة (3)، فيمضى ويدعه.
ولما رأى شبيب أنه لا يصيب غرته، ولا يصل إليه، صار يخرج كلما دنا منه عبد الرحمن، حتى ينزل على مسيرة عشرين فرسخا، ثم يقيم في أرض غليظة وعرة، فيجئ عبد الرحمن في ثقله وخيله، حتى إذا دنا من شبيب ارتحل، فسار عشرين أو خمسة عشر فرسخا، فنزل منزلا غليظا خشنا، ثم يقيم حتى يبلغ عبد الرحمن ذلك المنزل، ثم يرتحل، فعذب العسكر، وشق عليهم، وأحفى دوابهم، ولقوا منه كل بلاء.