ثم إن الحجاج دعا عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فقال له: انتخب الناس، فأخرج ستمائة من قومه من كندة، وأخرج من سائر الناس ستة آلاف، واستحثه الحجاج على الشخوص، فخرج بعسكره بدير عبد الرحمن، فلما استتموا هناك كتب إليهم الحجاج كتابا قرئ عليهم.
أما بعد فقد اعتدتم عادة الأذلاء، ووليتم الدبر يوم الزحف، دأب الكافرين (1) وقد صفحت عنكم مرة بعد مرة، وتارة بعد أخرى، وإني أقسم بالله قسما صادقا لئن عدتم لذلك لأوقعن بكم إيقاعا يكون أشد عليكم من هذا العدو الذي تنهزمون (2) منه في بطون الأودية والشعاب، وتستترون منه بأثناء (3) الأنهار وألواذ (4) الجبال، فليخف من كان له معقول (5) على نفسه، ولا يجعل عليها سبيلا، فقد أعذر من أنذر. والسلام.
وارتحل عبد الرحمن بالناس حتى مر بالمدائن، فنزل بها يوما ليشترى أصحابه منها حوائجهم، ثم نادى في الناس بالرحيل، وأقبل حتى دخل على عثمان بن قطن مودعا، ثم أتى الجزل عائدا، فسأله عن جراحته، وحادثه، فقال الجزل: يا بن عم، إنك تسير إلى فرسان العرب وأبناء الحرب وأحلاس (6) الخيل، والله لكأنما خلقوا من ضلوعها، ثم ربوا (7) على ظهورها، ثم هم أسد الأجم، الفارس منهم أشد من مائة، إن لم يبدأ به