فوقفت بإزاء ميمنة زائدة بن قدامة، وفيها زياد بن عمرو العتكي، ومضت كتيبة فيها مصاد أخو شبيب، فوقفت بإزاء الميسرة، وفيها بشر بن غالب الأسدي، وجاء شبيب في كتيبة، حتى وقف مقابل القوم في القلب، فخرج زائدة بن قدامة يسير في الناس بين الميمنة والميسرة، يحرض الناس، ويقول: عباد الله! إنكم الطيبون الكثيرون، وقد نزل بكم الخبيثون القليلون، فاصبروا جعلت لكم الفداء! إنما هي حملتان أو ثلاث، ثم هو النصر ليس دونه شئ، ألا ترونهم والله لا يكونون مائتي رجل، إنما هم أكلة رأس (1) وهم السراق المراق، إنما جاءوكم ليهريقوا دماءكم، ويأخذوا فيئكم، فلا يكونوا على أخذه أقوى منكم على منعه، وهم قليل وأنتم كثير، وهم أهل فرقة وأنتم أهل جماعة، غضوا الابصار واستقبلوهم بالأسنة، ولا تحملوا عليهم حتى آمركم.
ثم انصرف إلى موقفه، فحمل سويد بن سليم على زياد بن عمرو العتكي، فكشف صفه، وثبت زياد قليلا ثم ارتفع سويد عنهم يسيرا ثم كر عليهم ثانية (2).
فقال فروة بن لقيط الخارجي (3): أطعنا ذلك اليوم ساعة فصبروا لنا حتى ظننت أنهم لن يزولوا، وقاتل زياد بن عمرو قتالا شديدا (4)، ولقد رأيت سويد بن سليم يومئذ وإنه لأشد العرب قتالا وأشجعهم، وهو واقف لا يعرض لهم، ثم ارتفعنا عنهم، فإذا هم يتقوضون، فقال بعض أصحابنا لبعض: ألا ترونهم يتقوضون! احملوا (5) عليهم، فأرسل إلينا شبيب: خلوهم لا تحملوا عليهم حتى يخفوا، فتركناهم قليلا، ثم حملنا عليهم الثالثة فانهزموا، فنظرت إلى زياد بن عمرو، وإنه ليضرب بالسيوف (6)، وما من سيف يضرب به